الأطفال المصابون بالتوحّد في لبنان: بين مساعي الجمعيّات وإهمال الدولة
كتبت فاتن الحاج حسن لـ “هنا لبنان”:
كثرت في المرحلة الأخيرة الأبحاث والنقاشات حول الإصابة بالتوحّد، وبخاصّةٍ لدى الأطفال الذين بات الكشف عن حالات توحّدٍ بينهم أكثر من ذي قبل. وهذا عائد إلى الوعي الذي انتشر حول هذه المتلازمة، وإلى التخصّصات العلميّة التي تتعلّق بها.
ومن المتعارف عليه، وممّا أظهرته مختلف الدراسات أنّه عندما يتمّ البدء بالعمل مع الطفل المتوحّد في سنٍّ مبكرة، تكون النتيجة أفضل؛ ويمكن الوصول – بحسب دراساتٍ عديدة – إلى مستوى أقرب إلى الحالة الطبيعيّة، بحسب درجات التوحّد طبعاً.
وفي لبنان، حصل تقدّم بارز في هذا المجال مقارنةً بالسنوات الماضية، لكن في الوقت نفسه لا يزال الطريق طويلاً وشائكاً في ظلّ استهتارٍ واضحٍ من قبل الدولة بحقّ هذه الفئة، حيث إنّها لا تضعها ضمن أولويّاتها.
فمن جوانب هذا النقص في حقوق المصابين بالتوحّد صعوبة إيجاد مدرسةٍ خاصّةٍ لهذه الحالات، فكان يضطرّ حينها معظم الأهل لوضع أطفالهم المصابين بالتوحّد في مراكز خاصّةٍ لذوي الاحتياجات الخاصّة.
ولكن اليوم، وبعد مساعٍ وجهودٍ حثيثة، قامت بها مختلف الجمعيّات المعنيّة طوال السنوات الماضية، تحقّق تقدّم واضح، تمثّل بتوفّر العديد من المدارس لمثل هذه الحالات تعمل على الدمج.
وعلى الرغم من هذا التطوّر الملحوظ، فإنّ الطريق لا يزال طويلاً، وثمّة عوائق كثيرة يواجهها المتوحّدون وأهاليهم في لبنان، خصوصاً وأنّ تجاوب المدارس ليس سهلاً، باعتبار أنّ التجهيزات الخاصّة بالتوحّد مكلفة في المدارس، كما تترتّب كلفة عالية على الأهل.
الوضع أفضل من السابق، لكنّه لا يزال صعباً. فالطفل المتوحّد لا يمكنه أن يكون مستقلّاً، بل يحتاج إلى المساعدة من قبل مجموعةٍ من الاختصاصّيين كالاختصاصي في علم النفس الحركي، والاختصاصي في معالجة النطق، وغيرها من الاختصاصات بحسب درجة التوحّد، إضافةً إلى مدرّسٍ خاصٍّ له في الصفّ أو مع مجموعةٍ صغيرةٍ من الطلّاب. أمّا ما يترتّب من تكاليف إضافيّةٍ على الأهل في المدارس الخاصّة، زيادةً على القسط المدرسي الأساسي، فتتكفّل به في بعض الأحيان جمعيّات مهتمّة بالأطفال المصابين بالتوحّد. هذا علماً أنّ المدارس الخاصّة وحدها معنيّة بذلك، لأنّ القطاع العامّ لم يُظهر حتّى الآن تجاوباً مع ذلك.
ومن ناحيةٍ أخرى، فثمّة حاجة إلى الكثير من العمل مع الجامعات والشركات سعياً لدمج المتوحّد أكثر في المجتمع. وحتّى اللحظة، وبعد جهودٍ كثيرة، أمكن التوصّل إلى توفير برامج خاصّةٍ للمتوحّد في كلٍّ من الجامعة الأميركيّة في بيروت والجامعة اليسوعيّة.
كلّ هذه الجهود وبرامج الدعم لحالات التوحّد لا تحصل إلّا بمبادرةٍ من الجمعيّات، فلا يزال المجتمع (والدولة) غير جاهزٍ للمبادرة في هذا المجال.
وتبقى الإيجابيّة الأولى في هذا السياق، أنّ الجيل الجديد أصبح أكثر وعياً وتقبّلاً للمصاب بالتوحّد.
من بين الجمعيّات المهتمّة بحالات التوحّد والناشطة في التوعية وفي العمل مع هذه الحالات على حدٍّ سواء، جمعيّة الأهل لدعم التوحّد AUTISM AWARENESS ASSOCIATION LEBANON .
و”جمعيّة الأهل لدعم التوحّد” هي منظّمة غير حكوميّةٍ تأسّست بموجب العلم والخبر رقم 1946 في لبنان سنة 2015 من قبل أهلٍ تطوّعوا لتعزيز حياة العائلات التي تعاني من التوحّد في لبنان ولمؤازرتهم وتأمين حياةٍ أفضل لهم.
وتتلخص أهداف الجمعيّة بالآتي:
– دعم الأشخاص المصابين بالتوحّد مع عائلاتهم، والعمل على دمجهم بالمجتمع.
– تنظيم حملاتٍ من أجل نشر التوعية عن التوحّد.
– إقامة شبكة تواصلٍ بين الأهل والاختصاصيّين في كلّ لبنان.
– إنشاء مركزٍ متخصّصٍ يُعنى بالأشخاص المصابين بالتوحّد.
كما أنّ المركز التابع للجمعيّة يقوم بالعديد من النشاطات ذات الصلة، مثل:
توفير صفوفٍ يوميّة للمصابين بالتوحّد من عمر الثماني سنواتٍ وما فوق، لكلّ ولدٍ حسب قدراته.
كما يقدّم المركز – حين تسمح الأوضاع – ورش عملٍ وأنشطةً متعدّدة: رياضة، موسيقى وأشغال يدويّة؛وذلك لمرّتَين أو ثلاث مرّاتٍ في الأسبوع وفي أيّام العطل.
وإلى ذلك، يقدّم المركز أيضاً جلسات علاج نطقٍ وعلاجٍ نفسي-حركي.
فتوفّر الجمعيّة جلسات:
– العلاج التربوي.
– العلاج النفسي الحركي.
– علاج النطق.
مواضيع مماثلة للكاتب:
قطاع تربية النحل بين الإهمال الحكومي والاهتمام الأممي | فؤاد شهاب .. “الرئيس القائد”! | متلازمة الفيبروميالجيا: الأسلوب الأفضل للعلاج |