المُزارع اللّبناني يعلّي الصرخة، وأزمة المحروقات تقضي على القطاع!
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
القطاعات الإنتاجيّة في لبنان تتأثر بشكل أساسي بالأزمة الإقتصادية التي نعيشها. ولم يكن وضع القطاع الزراعي بحالٍ جيّدة حتى قبل بداية الأزمة، الأمر الّذي سرّع تدهوره بشكلٍ سريعٍ.
صرخات المزارعين تترافق مع مُعاناتهم بمحاصيلهم الزراعية التي تتأثر بالظروف الطبيعيّة من جهة وبالظروف الإقتصاديّة من جهةٍ أخرى. فما هي حال المزارع اللّبنانيّ اليوم، وكيف يتأثّر بأزمة المحروقات؟
لمزيد من المعلومات حول حال المزارعين، تواصل “هنا لبنان” مع رئيس تجمّع المزارعين والفلاّحين في لبنان ابراهيم ترشيشي الّذي اعتبر أنّ القطاع الزراعي اليوم ليس بخير فهو بحالة تراجع نتيجة لإبعاد المسؤولين عن مواقع القرار، فالقطاع ينزف ويعاني في ظلّ غياب الدولة ودعمها له. في الماضي كان المُزارعون يحظون بتسهيلات كبيرة من قبل الدولة كقروض للمزارعين بفوائد قليلة أو حتّى بدون فوائد، بالإضافة إلى تشجيع الصادرات الزراعية بحيث كان المزارع يتقاضى من ٦٠ إلى ٧٠$ عن كل طن زراعي يصدّر للخارج؛ ناهيك عن الإتفاقيات التي كانت تُعقد مع الخارج.
مُردفاً، اليوم القطاع الزراعي يتيم وبمفرده، والشركات التي تستورد المستلزمات الزراعية تستوفيها بالدولار نقداً. والمشكلة الأساسيّة التي يعاني منها المُزارعون اليوم تكمن بغلاء كلفة الإنتاج؛ الأسمدة، الأدوية والبذور تضاعفت أسعارها نحو ٣ أضعاف يقابلها ضعف لدى المستهلك. فالقدرة الشرائية باتت شبه غائبة اليوم، لأن مدخول المواطن أصبح لا يكفيه لسدّ حاجاته.
وأضاف ترشيشي، كلفة الإنتاج اليوم تتأثر بشكلٍ كبير بأزمة المحروقات التي تضاعفت أسعارها بشكلٍ كبير جداً وتحوّلت من ٥٪ إلى ٥٠٪ في عامٍ واحد. “كرتال المحروقات في لبنان لم يشبع من ابتزاز وسرقة الشعب سابقاً”.
أشار ترشيشي أنّ شركات المحروقات المختصة ببيع المازوت توقّفت عن تسليم المزارع هذه المادة، منذ أول الأسبوع الماضي لغاية تاريخ نشر هذا المقال. مؤكّداً وجود شركات مستودعاتها مليئة بالمازوت بعد تفريغ البواخر بالأيام القليلة الماضية، ناهيك عن المخزون الموجود لدى بعض الشركات رغم إنكارها لهذه المعلومات.
عشر شركات تملك المازوت بحسب ترشيشي لكنها متفقة فيما بينها على عدم تسليمها للمزارع، وذلك حتى رفع السعر والتحكم بالسوق واستيفاء ٣$ زيادة على كل صفيحة. وهذا يعتبر خوّة، أي دفع إجباري وإبتزاز فهناك جهات رسمية تدعم جشع أصحاب الشركات الموزعة للمازوت بدل دعم المزارع وندعوهم للكفّ عن سرقة المواطن.
الأزمة تؤثر على الإنتاج وبكل أسف أكثر من ٥٠٪ من المزارعين أصبحوا عاطلين عن العمل بسبب إرتفاع أسعار المحروقات. كمية الإنتاج قلّت وبالتالي سنشهد إرتفاع أسعار المحاصيل وسيزيد الطلب عليها؛ سيُلام المزارع عندها بسبب غلاء الأسعار. ولمادة المازوت بالنسبة للمزارع نفس أهمية الدم بجسم الإنسان، فعندما يخسر المزارع رأسماله يعتبر أنه أصبح رجلاً مكسوراً يبيع ما يملك ويجلس بالمنزل.
الصرخة التي وجهها ترشيشي إلى محتكري المازوت والمتلاعبين بسعره ترافقت مع اتهامهم بالتعدّي على القطاع الزراعي ودعوتهم للتخفيف من الطمع والجشع. وتمنى ترشيشي أن يكون الخلاص من خلال طبقة سياسية جديدة بدل هذه الفاسدة التي سيلعنها التاريخ في ظل إنقطاع المازوت والخبز والبنزين والخضار والكهرباء التي مع انقطاعها تقضي على كل القطاعات. “لغاية اليوم النفق مظلم ولا أمل لتحسن ظروفنا ولكن نحن كمزارعين وكأصدقاء للأرض والبيئة وللمواطن اللبناني وحاجته من المنتوجات الزراعية، علينا البقاء بأرضنا والصمود والفرج آتٍ”.
في هذا السياق تواصلنا مع الناشطة الإجتماعية والزراعية ريما كرنبي، فاعتبرت أنّ تأثر القطاع الزراعي بغلاء المحروقات يعود لسببين، عدم قدرة المزارع على التنقل إلى الحقول الزراعية البعيدة عن القرى ومكان السكن. السبب الثاني، هو التكلفة العالية لمصاريف المولدات الكهربائية بغية تبريد المحاصيل الزراعية أو لريّ الأراضي وخاصةً تلك الجافة كبعلبك الهرمل. وأضافت “لا يوجد محصول يوازي ربحه فالتكلفة باهظة لدرجة أنّ هناك مزارعون اتخذوا قرار عدم ريّ الأشجار”.
وأردفت أنّ هناك عدداً كبيراً من المزارعين لم يزرعوا بتاتاً بسبب غلاء الكلفة. “اليوم الصوت يعلو من خلال الجمعيات والبلديات ووصلنا إلى وزير الزراعة وقد طرحنا التوجه إلى الجمعيات المانحة لتزويد المزارع بالطاقة الشمسية لإستخراج المياه من الأرض وريّ الأراضي. واقع الزراعة بحال يرثى لها، العام الماضي هناك جزء كبير من المزارعين خسر بالمحصول”.
خاتمةً، التاجر يحاول إحتكار وإستغلال المزارع بالزراعات الموسمية، من هنا طالبت كرنبي بسياسات تحمي المزارع.
قد يكون القطاع الزراعي القطاع الأسرع والمُساهم الأول بزيادة الواردات على خزينة الدولة؛ فهو يساهم يشكل أساسيّ بتنشيط القطاعات الأخرى في حال استطعنا إستغلاله. لذا على الدولة وضع خطط سريعة وفعّالة ليس فقط للحدّ من إنهيار القطاع بل لتنشيط القطاعات الأخرى معه.