ماذا لو وصل الانهيار إلى القطاع التربوي اللبناني؟
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
ليس هناك ما يوحي من الأداء السياسي المرتكز إلى حالة اللامبالاة وعدم الاكتراث لدى المرجعيّات الرسميّة بأنّ هناك أيّ معالجات جديّة تلوح في الأفق أقلّه بالنسبة لمعضلة الكهرباء “التاريخيّة” أو لسائر الانهيارات الأخرى التي تشهدها البلاد وقد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة!
وإذا كانت كلّ التّراكمات والمآزق تفعل فعلها في قهر المواطنين وإذلالهم سواءً في غياب الخدمات الأساسيّة والبديهيّة أم في غياب أيّة رؤية إصلاحيّة فعليّة؛ فإنّ من أصعب ما يواجهه اللبنانيّون على أبواب العام الدراسي الجديد هو التّكاليف المدرسيّة الباهظة في الأقساط والكتب والقرطاسيّة والمستلزمات الأخرى.
لطالما تميّز لبنان بموارده البشريّة التي كانت ولا تزال ثروته الحقيقيّة. اللبنانيون حقّقوا قصص نجاح أينما حلّوا حول العالم ومن المحزن ألّا يتمكّنوا من تحقيق النّجاحات في وطنهم الأم. وإذا كان من سببٍ رئيسيّ للوصول إلى تلك النجاحات عند اللبنانيين، كأفراد ومجتمع، فهي تتصل بالتمسّك بالعلم. إنّ الأسر اللبنانيّة، بغالبيّتها الساحقة، مستعدّة لأن تبيع الغالي والنّفيس من ممتلكات وعقارات ومجوهرات وسواها من المقتنيات الثمينة لتوفير العلم لأبنائها.
هذه الظاهرة الاجتماعيّة والثقافيّة اللبنانيّة التي قلّما نالت الاهتمام الكافي من الباحثين والإعلاميّين إنّما هي التي ساهمت في نهوض المجتمع اللبناني وفي انطلاق أبناء هذا المجتمع نحو مختلف أصقاع الأرض بحثاً عن فرص عمل تليق بقدراتهم ومعارفهم. حتى اليوم، وفي ظلّ ارتفاع معدّلات الهجرة، لا سيّما الشبابيّة منها، إلى مستويات غير مسبوقة إنّما هي ممكنة بسبب توفّر تلك الكفاءات المعرفيّة والعلميّة.
ولكن، إلى جانب هذا الجانب الثّقافي في التركيبة المجتمعيّة اللبنانيّة، إذا صح التعبير؛ فإنّ سلوك اللبنانيين دروب العلم لم يكن من المتاح أن يكون انسيابيّاً لولا المؤسسات التعليميّة والتربويّة الرائدة التي تطوّرت في مختلف أنحاء المجتمع اللبناني من مدارس وجامعات ومعاهد، بالإضافة طبعاً إلى الجامعة اللبنانيّة الأم التي تحتضن عشرات الآلاف من الطلاب اللبنانيين وشهادتها تنال اعترافاً عربيّاً ودوليّاً متميزاً.
الأكيد أن تمدّد حالة “الانهيارات” اللبنانيّة نحو القطاع التربوي سوف يكون له تداعيات استثنائيّة خطيرة ليس على الحاضر فقط، بل على المرحلة المستقبليّة برمتها. صحيحٌ أن انقطاع الكهرباء والمياه وتراجع الخدمات العامة وانهيار سعر صرف العملة الوطنيّة أدّى إلى تدهور كبير في مستوى معيشة اللبنانيين الذين صار همّهم ونقاشاتهم الوحيدة تتمحور حول كلفة المولدات الخاصة والطاقة الشمسيّة البديلة وتطوّر سعر صرف الدولار الأميركي. ولكن، انهيار القطاع التربوي يعني انهيار منظومة العلم والأخلاق في المجتمع، وهذا له آثاره البالغة على المجتمع التي تستمرّ لعقود إلى الأمام ويصبح محوها مسألة في غاية الصعوبة.
إنّ انهيار منظومة القيم المجتمعيّة أشدّ فتكاً من أكثر النزاعات المسلحة ضراوةً. هذا جرس إنذار، ولكن هل هناك من يسمع؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |