خطاب يدوي
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
كان كيم إيل سونغ، زعيم كوريا الشمالية المؤسس و”المحبوب لقلوب 40 مليون كوري”، وفق شعارات تمجيده، يشفي غليله من العداء لكوريا الجنوبية بتنظيم زيارات إلى الحدود معها، لكل من يأتي إلى بلاده من “العالم الخارجي” أي الدول الصديقة له، على قلتها، سواء وفوداً أو أفراداً، مرغمين مسايرة، أم “مؤمنين” عقائدياً، حيث يتبادلون الكلمات في مديح “القائد” وهجاء “الرأسمالية البغيضة”، ويختمون الجولة الحدودية برشق الجارة الجنوبية بالحجارة، وتأكيد اقتراب النصر على الإمبريالية الأميركية وحلفائها.
تولى كيم ايل سونغ السلطة في كوريا عقب الإطاحة بالحكم الاستعماري الياباني في عام 1945، وكان الشخص الذي أمر بغزو كوريا الجنوبية في عام 1950 مما أدى إلى اندلاع الحرب الكورية التي اندفعت فيها الولايات المتحدة، وحلفاؤها الغربيون، من دون تغطية من الأمم المتحدة، تحت اسم التحالف الدولي، إلى حد شبيه بالحرب على العراق. وقد فشلت كل المحاولات الهادفة إلى إعادة توحيد الكوريتين، حتى في ظل مجاعة أصابت الشمالية، ولم تتردد الجنوبية في دعمها بالمواد الاستهلاكية والغذائية بلا شروط.
كان كيم ايل سونغ أول من أنشأ ديكتاتورية عائلية في دول المجموعة الشيوعية، على تنوع مذاهبها العقيدية، وهو حكم منذ تأسيسه الدولة سنة 1948 إلى وفاته في تموز 1994، ليرثه نجله كيم تشونغ ايل، الذي ورث، أيضاً كل مناصبه، إلا منصب الرئيس الذي حفظ للوالد المؤسس، لأن الدستور الكوري منح المرحوم لقب “الرئيس الأبدي”. وهذه الحال استمرت مع الحفيد كيم جونغ أون الذي تولى السلطة عام 2012، بدلاً من أخيه الأكبر، بسبب “أنوثة” لديه، في تقدير الإعلام الغربي، واتهامه بالتعامل مع اليابان، حسب مصادر أخرى.
لا جديد في كوريا يبرر ما تقدم عنها، لكن التبرير هو محض محلي، إذ ذكّرني بكيم المؤسس وكيم الإبن ثم الحفيد، “هجمة” الوزيرين في حكومة تصريف الأعمال، وزير الطاقة وليد فياض، ووزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، على الحدود مع فلسطين المحتلة لرشق العدو الإسرائيلي بالحجارة عبر السياج الحدودي، وذلك خلال جولة تحت عنوان “كلنا للجنوب” عند أطراف بلدة حولا الحدودية.
امتدح البعض ما سموه “جرأة” الوزيرين، ورأوا في ذلك تسجيل موقف معادٍ للعدو الاسرائيلي، فيما نحو 4 ملايين لبناني لم يحذوا حذوهما، فهل يضعهم ذلك في مجال الشك في وطنيتهم، استنتاجاً من تعليقات الدبابير الإلكترونية، التي ترى ما لا يراه اللبنانيون، عموماً، وهو أن نصفهم “راكض بدو يطبع ويلهث وراء التطبيع”، فيما يسهل على البعض تخوين الآخرين لأتفه الأسباب ولا ينقصهم سوى إقامة محاكم التفتيش والماكارثية.
لكن المغزى أبعد. هو تضامن بالحجارة، من جهة من وما يمثل الوزيران، مقابل تضامن مطلوب في الأزمة السياسية بين توليد حكومة جديدة، أو تعويم الراهنة المستقيلة، وهو ما يريده الرئيس نبيه بري، ولا يبتعد عنه السيد حسن نصر الله، فيما يجهد رئيس الجمهورية لحكومة جديدة له فيها 6 وزراء.
الرشق الرمزي بالحجارة يؤدي الوظيفة نفسها للخطابات شبه اليومية عن حماية منطقة الترسيم البحري. هي تجزية للوقت، وحرف الإهتمام عن أزمات البلاد، التي ولّدها، في الأساس، نحر الحياة العامة، والإقتصادية منها خصوصاً، بإقفال مجلس النواب سنتين ونيّف، وعزل وسط بيروت، أي قلب الحياة الاقتصادية، لإطفائه، وسبْق ذلك بغزوة بيروت.
رشق الجدار عند الخط الأزرق بالحجارة استعراض لا يقدم ولا يؤخر، فلا طرف، وحتى إسرائيل، ولا الولايات المتحدة الأميركية، تريد حرباً، ولو محدودة في المنطقة، لذلك يستمهل هوكشتين في العودة، علّ “الطبخة” تستوي، على القول اللبناني.
يقول المثل المحلي من يريد قتل شخص لا يهدد، بل ينفذ، لذا يبدو التلويح بحراً وبرًا مقلقاً للداخل اللبناني أكثر مما هو للخارج المعادي. والحجارة خطاب “يدوي” لا يقدم ولا يؤخر.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |