قصة جبران عند عرفات


أخبار بارزة, خاص 9 أيلول, 2022

كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

يُروى أن ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني، جمع في تشرين الأول عام 1976 قادة التنظيمات الفلسطينية و”الحركة الوطنية اللبنانية” وأبلغهم أن مقاتليه سيخلون الدرب أمام قوات الردع السورية، الآتية بغطاء عربي ودولي، أي جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، فرد عليه المرحوم محسن ابراهيم، أمين عام الحركة، بعدم الموافقة والإستعداد للمواجهة، فرد عليه عرفات، بلهجته الفلسطينية المصرية، بأن روى للحاضرين قصة شاب اسمه حسنين يشكو من مشكلة صحية جنسية، وينام، لفِقْره، لدى صديق ويشاطره السرير نفسه، وفي ليلة أيقظ حسنين زميله بصراخه وتهليله وفرحه بشعوره أنه تخطى أزمته، فنهره الأخير وطلب أن يبعد يده عنه.

قص عرفات الرواية لينبه حلفاءه إلى أن القرار أكبر مما يتخيل مُحاوروه، وأن “الحركة الوطنية” لا تملك القوة ولا الإمكانات للمواجهة من دون المنظمات الفلسطينية، لا سيما قوات فتح.

ما أحال على هذه الواقعة تمادي النائب والوزير السابق، رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، في أوهام القوة التي تسيطر عليه، فيستعير عضلات حزب الله وخيمته ليهدد اللبنانيين بالويل والعظائم، معتقداً أن ما نجح فيه منذ “تسونامي” الشهيرة، وما تبعها من احتلال قلب بيروت وتدميره، بنياناً واقتصاداً، لمصلحة مشروع فارسي معاد للوطن والمنطقة، كان استناداً إلى “طاقاته” الذاتية، وليس إلى سطوة حليفه على الحياة العامة، وبنية هذا الحليف الميليشياوية وعدوانه على الدولة ومؤسساتها، حتى بدا النائب- الوزير-الرئيس ميليشياوياً بلا ميليشيا.

يمكن تخيّل تعابير وجه أمين عام “حزب الله” وهو يشاهد، عبر التلفزيون، براعة باسيل وادعاءه قدرات لا يملكها، ولربما تبسم تجاه ما يراه تجلّياً لقدرته على تحريك الدمى السياسية المتوافرة لديه. فرئيس “التيار الوطني الحر”، لا يترك أحداً من خصومه، في أي تصريح إعلامي، أو دردشة خاصة، من دون هجوم أو تهجم، من الرئيس نبيه برّي والرئيس نجيب ميقاتي ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والقضاء، وحتى النظام اللبناني نفسه، الذي له بصمات لا توارى في تحريف بنيته لتطويعه. ولولا أن الناس يعرفون حقائق الأمور في بلد اسمه لبنان لا تختبئ فيه “خبرية” ولا يؤبد فيه رواج كذبة، لكانوا صدقوا كل ما يقول عن الفساد والهدر وتهريب الأموال، والسطو على الأملاك العامة، لا سيما البحرية.

يتداول الناس القول إن العدل ملح الدولة، فإذا فسد الملح بم يملّح؟

لا يقول الصهر خلاف ذلك، لكنه، في التطبيق، لا يتردد في تحويل القضاء، حيث يمكنه، إلى إقطاعية لتياره وصحبه، فلا أحد يحاكمه، أو يقاضيه على الكهرباء وفضائح تلزيم البواخر، التي لم يبقَ على وجه الأرض من لم يحرك بها لسانه، حتى فاقت أعداد متابعيها من تابعوا فرقة “مياس” الإستعراضية اللبنانية العالمية. ومن مهازله في القضاء أن يشجع متمردين على انتظامه، أن يبتدعوا الحق لأنفسهم في “الإنشقاق” عن تسلسله الهرمي، وتخطي بنيانه المكرّس، ولفلفة ملفات قضايا لا تلائم ربعه، ونبش قبور غيرها.

فبرغم تسلم 6 وزراء من جماعته قطاع الطاقة طيلة 13 سنة من العتمة أُنفق لتبديدها 40 مليار دولار، فإن من الصعوبة إقناعه بمسؤوليته عن استمرار تفاقم هذه الأزمة، كما من الصعب أن يقر بمسؤوليته ووزراؤه بمسؤولياتهم عن السدود المائية التي تخيلوا وآمنوا بجدواها المستحيلة برغم آراء الخبراء والدراسات العالمية.

يقطّر الصهر عداء لاتفاق الطائف، ولا يرعوي عن نصب الكمائن لتحريفه، وجاهر بالجمع بين الأمرين المتناقضين، مستغبياً الآخرين، متجاهلاً أن حبل الكذب قصير. فهو يجهد في التشهير بالرئيس نجيب ميقاتي، ويتهمه بالحصول على قروض بملايين الدولارات من مصرف الإسكان (لم تنجح شروحات نجله في تبديد التهمة)، ويتناسى ارتباطه شخصياً بقصّة أكبر، هي حصوله أواخر العام 2017 على قرض من بنك بيبلوس بقيمة 2.7 مليون دولار، وفق مقابلة متلفزة حينها.

ثالثة الأثافي أنّ فريق باسيل وتياره سعى إلى تخليص “حزب الله” من عبء القرارات الدولية قبل انتهاء الولاية العونية، بدفع وزارة الخارجية إلى طلب شطب الفقرة التي تشير إلى مرجعية القرارين 1559 و1681 في قرار التمديد لقوات الـ”يونيفيل” بموجب الـ1701، كما شمل الاقتراح اللبناني طلب إلغاء عبارتين في الفقرتين (15 و16) اللتين وردتا في قرار التمديد وتنصان على حرية حركة الـ”يونيفيل” وإدانة أي تقييد لحرية هذه الحركة في جنوب الليطاني. مع ذلك يتسابق الوزير المعجزة مع الآخرين على تبادل الاتهامات بالفساد، والفاسد عند كل منهم هو في الصف المقابل!

بين تجرؤ ووقاحة وبداحة السياسيين يضيع اللبناني في التمييز بين أهل الطبقة السياسية بكل وجوهها، ويصعب عليه تبرئة أي منهم. وإذا كان معنى التجرؤ معروفاً، وكذلك كلمة وقاحة، يبقى أن نعرف معنى البداحة: يقول معجم الوسيط المرأةُ البُدُوح من مشت مِشْيَةً فيها خلاعة.

السياسة في الوطن الحبيب، وعلى كل الضفاف، تزخر بالخلاعة، وإلا ما مغزى أن كل الأطراف تتنافس على من يسبق الآخر إلى إدانة الفساد، فتبقى التهمة ويضيع الفاعل. ألا يكفي انفجار المرفأ دليلاً على تنوع الفساد، طول ذراعه؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us