السيد لعون: إلى حرب الترسيم درّ؟
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
قبل أن تبدأ أوساط إعلامية مواكبة للاتصالات بين “حزب الله” وقصر بعبدا تتحدث عن تبدّل مناخات المحادثات المتعلقة بالترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، كانت الأنباء الآتية من إسرائيل والصادرة عن الحزب تتحدث فجأة عن حرب محتملة على خلفية النزاع البحري.
في جعبة هذه الأوساط أن رئيس الجمهورية ميشال عون الذي كان مؤيداً للخط 23 الذي إنطلقت على أساسه الوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل، سيتراجع عن موقف التأييد هذا، ويذهب مجدداً إلى تبني الخط 29 من خلال توقيع المرسوم 6433/2011 وإيداعه المراجع الدولية وفقاً للأصول تثبيتاً لهذا الخط. وعزت الأوساط نفسها هذا التراجع إلى تبدل حسابات “حزب الله” الذي كان مؤيداً بدوره للخط 23، لكنه حالياً صار في موقع رافض لهذا الخط لإعتبارات تتخطى النزاع البحري.
لا يجادل اثنان في أن العودة إلى الخط 29 الذي يمنح لبنان مساحة بحرية تبلغ 1430 كلم2 زيادة عما يعطيه الخط 23 سينسف الوساطة الأميركية التي يقودها المبعوث آموس هوكشتاين، ومن شأن ذلك أن يعيد مفاوضات الترسيم إلى مربع الجمود الذي سبق تكليف هوكشتاين بالمساعي المكوكية بين لبنان وإسرائيل. وكانت آخر زيارة للوسيط الأميركي إلى بيروت يوم الجمعة الماضي حيث أعلن في ختامها عن إحراز تقدم في المحادثات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، لكنه قال إن هناك حاجة لمزيد من العمل للتوصل إلى اتفاق نهائي.
ما الذي يدفع الرئيس عون للتراجع عن موقف كان منطلقاً لمرحلة وساطة أميركية وحظيت بإهتمام داخلي وخارجي؟
في إنتظار معرفة كيف سيتطور موقف رئيس الجمهورية من ملف الترسيم البحري، تتحدث الأوساط المشار إليها آنفاً عن تلاقي مصالح العهد مع “حزب الله” في هذه المرحلة الدقيقة التي تقرّبنا من حدثين كبيريّن هما: إنتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 31 تشرين الأول المقبل، وقرب إنهاء النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل ما يشكل تطوراً مهماً على صعيد تطبيع الأوضاع القلقة على الحدود المشتركة بين البلدين.
بالنسبة للرئيس عون، بدأ يعترف علانية أن خيار تحالفه مع “حزب الله” منذ إبرامه وثيقة “تفاهم مار مخايل” عام 2006، قد وصل إلى نهاية منافعه. وها هو الرئيس عون يستحضر في مقابلة مع صحيفة الجمهورية قبل أيام، مقاربته للعلاقة مع “حزب الله”، مشيراً إلى أنه “جرى تدفيع العهد ثمن هذه العلاقة التي وُجدت لمصلحة لبنان، وكذلك عوقِب جبران باسيل أميركياً بسبب تحالفه مع الحزب، ونحن لسنا نادمين لأنّ ما فعلناه كان وليد اقتناع”.
أما الحزب، فقد إكتشف في قرار التمديد الأخير لقوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان أن فترة التساهل التي مارستها هذه القوات حيال ممارسات الحزب الأمنية في منطقة عملياتها، قد ولّت إلى غير رجعة. وقد رأى الوكيل الشرعي العام للسيد علي الخامنئي في لبنان الشيخ محمد يزبك “أن قرار مجلس الأمن بإعطاء القوات الدولية في الجنوب “اليونيفيل” حرية الحركة، تطور خطير يحول القوات إلى قوات احتلال.”
وسط تلاقي المصالح التي نسجها قبل 16 عاماً الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون، أطلّت في وقت واحد الأنباء عن حرب جديدة بين الحزب وإسرائيل. ففي تقييم عسكري جديد نقلته أخبار القناة 12 السبت الماضي، ورد أن الجيش الإسرائيلي يعتقد أن هناك “احتمالاً معقولاً” لمواجهة مع جماعة “حزب الله” مع تصاعد التوترات وسط محادثات بوساطة أمريكية حول نزاع بحري.
في المقابل، شدد رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين على “إن الحرب الحقيقية التي يجب أن يخوضها لبنان اليوم، هي حرب استعادة الثروات.” وليس واضحاً ما إذا كان صفي الدين يتحدث عن الحرب بالمعنى الحرفي أم بالمعنى المجازي.
ليست هي المرة الأولى التي تبنى فيها الرئيس عون طلبات نصرالله. وهناك الكثير من المحطات التي تماهى فيها قصر بعبدا منذ العام 2016 مع هذه الطلبات وبخاصة في مرحلة الضغوط التي واجهت الحزب خارجياً، إلى درجة أن خليفة عون جبران باسيل عندما كان وزيراً للخارجية ضرب بعرض الحائط في المؤتمرات العربية والدولية بكل روابط لبنان مع دول الخليج العربي كرمى لرغبات “حزب الله”. واليوم، عندما يطلب نصرالله من رئيس الجمهورية أن يعود عن مواقفه السابقة من الترسيم البحري، فهو لن يتأخر عن تلبية هذا الطلب.
في المعلومات أيضاً، أن بازار الانتخابات الرئاسية المفتوح بعيداً عن الأضواء يسعى خلاله العهد إلى الحصول على دعم الحزب كي يعزز موقع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب باسيل التفاوضي سواء فيما يتعلق بحلمه المستحيل أن يرث عمه في منصب الرئاسة الأولى، أو في الحصول على مكاسب مسبقة في العهد الجديد إذا ما تعذّر أن يكون باسيل هو الرئيس المقبل.
إذاً، عندما يقول نصرالله للرئيس عون “إلى حرب الترسيم درّ،” فهو سيستدير بلا إبطاء. فكل أوراق العهد في سلة “حزب الله”، وما عاد للعهد أي حساب خارج هذه السلّة!
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |