الوقود الثقيل يفاقم مشاكل اللبنانيين: تلوث صحي وبيئي مقابل بعض التغذية الكهربائية
كتبت كارول سلوم لـ “هنا لبنان”:
لم يكن ينقص اللبنانيون إلا أزمة التلوث البيئي والصحي الناجم عن استخدام معامل الكهرباء مادة الوقود الثقيل أو الـ heavy fuel فهذه المشكلة ليست بجديدة إنما تتكرر بشكل دائم وهي مرشحة للتفاعل في ضوء الحديث عن اللجوء إليها كخيار بديل عن أزمة انقطاع الكهرباء.
ولا يزال مشهد تصاعد الدخان الأسود جراء تشغيل معمل الذوق الحراري لتوليد الطاقة الكهربائية ماثلاً أمام الأذهان.
من منطقة الذوق إلى المناطق الأخرى، انتشرت السحابة السوداء ودفعت بالمواطنين إلى إطلاق الصرخة والدعوة لوقف العمل في المعمل. وعمد ناشطون وإعلاميون إلى الإشارة للموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي ورفعوا الصوت عالياً للتّحذير من الأضرار البيئية والصّحيّة الخطيرة التي يسبّبها الفيول الثقيل.
ولأنّ المسؤولين يختارون الحل الأسهل دون التطلع إلى آثاره، تقع الأزمات وهناك معلومات تفيد أنّ هناك توجهاً لمواصلة استخدام هذه المادة من أجل توليد الكهرباء وتغذية المناطق اللبنانية ببضعة ساعات كهرباء. ولكن ما هو المقابل؟ بالطبع أمراض وتلوث وربما فقدان حياة أشخاص.
منذ فترة أرسل وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين مراسلة عن هذا الموضوع إلى وزارة الطاقة كما أن وزارته حددت ما يعرف بالقيم الحدية للانبعاثات المتعلقة بالملوثات الهوائية النّاتجة عن المصادر الثابتة كالصناعات ومعامل إنتاج الطاقة، متوقفاً عند الآثار الصحيّة للوقود الثقيل.
وكان الوزير ياسين قد طالب بتحديث معدات معامل إنتاج الطاقة ومراقبة الانبعاثات وكيفية قياسها واحتساب كمياتها ومدى مطابقتها للمعايير المفروضة ووضع فلاتر.
ودعا إلى عدم اللجوء إلى خيار غير صحي وبيئي من أجل توليد الكهرباء، لا سيما أن الفاتورة الصحية ستكون باهظة جداً على الجميع.
ومن جهته، رئيس حزب البيئة العالمي ضومط كامل يقول لـ “هنا لبنان” أنّ الوقود الثقيل والمستخدم في إنتاج الطاقة في العالم هو مسرطن وقاتل ويعدّ من أخطر أنواع نتائج تكرير النفط الخام كما أنه يحترق على حرارة مرتفعة جداً.
وهناك تحذيرات تطلق من العالم والمعنيين بالشأن البيئي لجهة أضراره على صحة الإنسان والبيئة كما أنّ هناك دراسات علمية أكّدت العلاقة الوثيقة بين استخدام الوقود الثقيل لإنتاج الطاقة وارتفاع نسبة الإصابات بأمراض القلب والجهاز التنفسي والأمراض السرطانية.
ويضيف ضومط: ما حصل في الذوق أنّه كانت هناك كتلة هوائية مشبعة بالملوثات الخطيرة من الضبية إلى أدما صعوداً إلى جعيتا وغرباً مع الرياح الشرقية وفوق البحر لمسافة ١٠ كلم، وهذه المنطقة تسود فيها كتلة هوائية دائمة ولكن الخطر يكمن عندما تأخذ الرياح الشمالية أو الجنوبية هذه الكتل الأشدّ تلوّثاً التي تضم ذرات مرتفعة من الملوثات الخطيرة وتقطع فيها مسافات طويلة، وهذه كارثة كبرى. وما رأيناه بأم العين الأسبوع الماضي نتيجة احتراق كميات مرتفعة من الفيول المسرطن والخالي من المواصفات المطلوبة، حيث كانت هناك كتلة سوداء امتد التلوث فيها فوق الشاطئ البحري من بعد بيروت، وصولاً إلى ما بعد شكا، حيث تلوث الجو على ارتفاع ٤٠٠ أو ٥٠٠ متر.
الملوثات الخطيرة
ويشير إلى أن الملوثات الخطيرة تجد لها منطقة آمنة تعيش فيها، من خلال الوقود الدافئ الصادر عن السيارات وتأخذ كميات الغازات التي تصدر باندفاعات مرتفعة في ظل غياب الثروة الحرجية المطلوبة لامتصاصها وفي ظل تغير المناخ العالمي أي أن الأمطار التي يجب أن تتوفر في مستوى معين غير موجودة والرطوبة المطلوبة غير موجودة أيضاً مما يتسبب بكتل هوائية، سواء فوق الزهراني أو الذوق أو معامل الشمال أي عرمان فضلاً عن الفيول المستخدم في شركة الترابة والذي يؤثر على الصحة والبيئة.
ويشدد على أنّه لو لم يكن استخدام هذا الفيول من أجل توليد كميات كبيرة من الطاقة، لكانت دول العالم صنفته من المخلفات الخطرة على صحة الإنسان والبيئة وكانت مسألة التخلص منه مكلفة، والمواد التي تنتشر منه تحتوي على نسب عالية من الكبريت والمعادن الثقيلة ومركبات عضوية وأخرى غير عضوية.
ويقول: دول كثيرة في العالم تعاني جراء استخدامه لا سيما التي تنتج الطاقة الكهربائية. وهناك دول في المنطقة العربية تستخدم هذه المواد من أجل تحلية المياه. فالزيت الثقيل خطير جداً ويؤدي إلى تلوث كبير يبدأ من مكان استخدامه في شركة الكهرباء أو محطة المياه، ومن ثم في عملية الانتشار وفق كميات الهواء وإذا كانت سرعة الهواء بسيطة تنتقل هذه الكميات وتنتشر على مسافات طويلة ويؤدي إلى التلوث.
والكبريت الموجود بنسب عالية يتحد مع الأوكسجين وعندما يحترق معه، يشكل ثاني أوكسيد الكبريت وهي مادة خطيرة جداً وتؤدي إلى تآكل المعدات في داخل المصانع وإضعاف الجهاز التنفسي عند الكائنات الحية، ويتفاعل مع المعادن الموجودة في هذا الفيول ومشتقاته أو الوقود الثقيل ويخرج منه “كبريتات النيكل”، وهذه تعد مشكلة كبيرة حذر منها الأطباء وعلماء البيئة وصنفوها ضمن الارتباط المطلق بأمراض السرطان لدى الإنسان والحيوان، كما أن الذرات التي تخرج أي الرماد أو الغبار الأسود “الكربون” صنفت بأنها شديدة الخطورة، وهناك صعوبة في التخلص منها ولا سيما عندما تتساقط على الأرض والسيارات وشرفات المنازل وتدخل إلى البيوت وتصبح مادة غبارية. وفي إمكان هذه الذرات الدخول إلى جلد الإنسان والعيون والرئتين. وهذه الذرات الصغيرة جداً في حال دخولها إلى جسم الإنسان قادرة على اختراق الجهاز التنفسي والاستقرار في جدار الرئة والانغماس في الأنسجة داخل الرئتين والتسبب بأمراض خطيرة.
أضرار دخان الذوق
ويكرر القول أن الاحتراق الذي حصل الأسبوع الماضي كان ناجماً عن نفايات خطيرة من الوقود الثقيل تضم كميات مرتفعة من الكبريت والدخان الأسود، ناتجة عن الكربون ومشتقاته ومواد خطيرة وقد تحوّل الوقود السائل إلى كميات مرتفعة من الوقود غير المحترق والمواد المسرطنة وانتشرت هذه الذرات في الأجواء ووصلت وفق التيارات الهوائية من بيروت، وقطعت البترون ووصلت ارتفاعاً إلى حدود أكثر من ٥٠٠ متر وشرقاً وصلت إلى جعيتا وقطعت غرباً مسافة ١٠ كلم والخطر الأكبر يتمثل في القدرة على رؤيتها عندما تكون حرارتها مرتفعة ولكن عندما تصبح ضمن الغلاف الجوي وبحسب حرارة الطقس تتعذر رؤيتها، لأنها تتحول لتصبح بلون الهواء وتنتشر كثافتها، ولكن الذرات تبقى موجودة وتتأرجح في الجو لأكثر من أسبوع، وذلك ما لم تكن هناك تيارات هوائية سريعة لتقودها إلى مسافات بعيدة عن أماكن تواجدها. وعندما تكون هناك كتل هوائية جامدة خالية من التحرك، فبكل تأكيد تبقى هذه الذرات فيها بين ١٠ و١٥ يوماً، ويتسبب ذلك بتلوث جوي خطير جداً وغير منظور. ومن هنا نناشد بإيلاء الوضع البيئي الأهمية اللازمة ونحذر مما يحصل ضمن المناطق السكنية لا سيما أن معمل الذوق متواجد في أخطر منطقة سكنية في لبنان والقاطنون بالقرب منه إلى حدود خط شعاع ٥ كلم يشهدون على التلوث الهوائي وتلوث الرئتين والدماغ والجسم. ولا بد من استبدال هذا المعمل الذي يستخدم الوقود الثقيل إلى معمل يعمل على الغاز. وهذا ينطبق على جميع مصانع الكهرباء التي تستخدم الوقود الثقيل.
بالفعل وكأن اللبنانيين على موعد دائم مع الأزمات وهم الذين يقعون دوماً ضحية سياسات خاطئة وقرارات بدل أن “تكحل..تسبب العمى!”