عهدك الميّاس
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
إذا أوفى الرئيس ميشال عون بتعهده أن يترك القصر الرئاسي فور الموعد الدستوري لنهاية ولايته، يكون يسجل لنفسه أول إنجاز منذ أن انتخب، بقوة سلاح “حزب الله”، رئيساً للجمهورية اللبنانية، فلا الإصلاح ولا التغيير تحققا، وهو حملهما، وعداً وعهداُ، منذ كان في المنفى الباريسي، وتلطى خلف يافطة “ما خلّونا” ليطوي ملفهما، ويعود إلى عنوانه المفضل وهو العداء لـ “اتفاق الطائف”، والسعي لتقويض دور رئيس الحكومة، ومسخه، ليتحول رئيس الجمهورية حاكماً أوحد، على نهج لويس الرابع عشر المعروف أيضًا باسم لويس العظيم أو ملك الشمس، وهو أيضاً صاحب القول “أنا الدولة… والدولة أنا”.
لم يقلها لويس المحلي، لكنه طبّقها، وقيض له ذلك، بفضل مستشاريه المتنوعين، على حال لويس الفرنسي، من جهة، ويحاول اليوم، من جهة أخرى، أن يوحي بأن الطوفان، الذي أراده لويس الخامس عشر، من بعده، وينسب، أيضاً، إلى مدام دو بومبادور، عشيقته، هو ما سيصيب لبنان إذا غادر القصر الجمهوري، في ليل اليوم الأخير من ولايته. واليوم، مع العد التنازلي لنهاية الولاية، ينتحل الرئيس، تلميحاً وتصريحاً، وظيفة حارس الجمهورية، فيقرر أن “لا شرعية وطنية” للحكومة المستقيلة للحلول مكان رئيس الجمهورية، فيما هو، بموقفه المذكور يتولى سلطة تشريع ليست له، ويزعم سلطة له في تطبيق ما لم ينص عليه الدستور، بعدما امتهن السطو على الشرعية، مرة في وجه “إتفاق الطائف”، وثانية بامتطاء سلاح “حزب الله” ليعود إلى بعبدا، ويعطل حياة الجمهورية ست سنوات، عرف فيها اللبنانيون جهنم التي وعدهم بها، وعيشهم إياها أبرز انجازاته، ولا ضرورة لتعداد غير ذلك مما وعد منذ كان في باريس. يكفي التذكير بالكهرباء، والسدود، ودخول لبنان نادي الدول النفطية، وباستعداء العرب وغير ذلك كثير، وربما ينتحل لنفسه غداً إنجاز فرقة “مياس” اللبنانية العالمية بفوزها بالمرتبة الأولى في برنامج “أميركا غوت تالنت”. والميّاس تعني المتبختر، والمتمايل، وهذا يليق بـ”العهد القوي”، طالما لمّا يزل في بعبدا.
كيف لا و”أناه” تعم البلاد، اليوم وغداً، ويزرع، أو يسعى لزرع القلق على غد الجمهورية، كأنها كانت بألف خير خلال سنواته الست، وكأنه مثال يحتذى في الحكم والوطنية، فيكلف نفسه بما ليس له من مهام في الدستور، ويهدد، وهو لا يملك أي سند تشريعي، ويحتكر ميزان العدل والحكمة، ويبتدع حقوقاً دستورية لشخصه، وعلى مقاس شهوته للبقاء في السلطة، فيقرر، سلفاً، إقبال البلد على أزمة انتخاب رئيس بعد أقل من شهرين، ليحتفظ لنفسه، من دون أي منطق دستوري، بمعاقبة البلاد على عدم انتخاب رئيس، أو عدم تشكيل حكومة على هواه، قبل 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، متعمداً إثارة قلق اللبنانيين، “إذا أصروا على أن (يحشروني بالزاوية)، مشيراً إلى”علامة استفهام تحيط بخطوتي التالية وبالقرار الذي سأتخذه عندها”.
ماذا ستكون هذه الخطوة المبتدعة واللادستورية؟
يعرف الرئيس أن لا مجال لمواجهة شعبية في الشارع، وأن حليفه الحزب اليوم ليس ما كان عليه في 2016، فـ”بيئته الحاضنة” ليست في منأى عن تدهور الوضع العام، وتسدد كغيرها أعباء الفساد والجوع والفوضى، وأن رهبة سلاح حليفه، الذي يستخدم الصمت، ويكتفي بإعلان الحرص على الإستحقاق ويغذّي القلق في البلد، لا تسمح له الظروف الإقليمية والدولية بمغامرة داخلية جديدة، كرمى لعون، برغم أنه لم يقصّر، يوماً، في تجليات اللاحرص على الدستور، من تخزين السلاح إلى استخدامه عبر الحدود، وفي الداخل، وفق توقيته وتوقيت طهران، وغصباً عن إرادة اللبنانيين، وإجبار نوابهم على انتخاب عون، تحت يافطة التهديد بتفجير البلاد، بعد تعليقها على حبل مشنقة احتلال قلب بيروت.
ما لوح به رئيس الجمهورية إعلان يائس لأناه التي لا ترتوي، ولنزقه السياسي الذي كلف اللبنانيين الكثير منذ أخلّ بقسمه رئيساً لحكومة عسكرية موقتة، وانقلب على اقتناعاته تجاه نظام الأسد في سوريا، و”حزب الله” وطهران، تحت عنوانه الدائم “أنا أو لا أحد” الذي صنوه “لا أحد إلّا انا”، لكنه لم يشف غليله بنحر “الطائف”، ولو بلغ الرمق الأخير من ولايته الرئاسية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |