تكاليف علاج الأسنان “موجعة” والمرضى “يتلوّعون” بصمت!
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان”:
واقع مظلم يعيشه أطباء الأسنان والمرضى على حد سواء، زيارة عيادة الأسنان بالنسبة لكثير من اللبنانيين باتت مغامرة غير محسوبة النتائج لما ستكلفهم من مبالغ مالية تفوق راتبهم الشهري في معظم الأحيان، حتى أصبحت “لمن استطاع إليها سبيلا”، ما أرغمهم على تحمل الوجع بصمت.
يرافق ألم الأسنان محمد.ع منذ شهرين، ولا قدرة له على إصلاح أسنانه، فاعتمد على العلاجات المؤقتة لتسكين الألم مستخدماً ماء القرنفل المغلي وغيرها من المسكنات حتى وصل الأمر به إلى التهاب حاد في اللثة ما اضطره إلى قلع ضرسه.
كمحمد لا يستطيع فادي.ب تحمل تكاليف تصليح أسنانه فلجأ إلى إحدى المستوصفات في بيروت لتركيب “رصاصة” مقابل دفع مبلغ رمزي لأن إمكاناته المادية منعته من زيارة طبيبه الخاص الذي يطلب “الفريش دولار”، وهو على علم بأنها ليس “باب أول” وقد يضطر إلى تغييرها بعد فترة.
مروة.م ليست أفضل حالاً، فبعد رحلة من الوجع الذي أفقدها طعم النوم طلبت من طبيب الأسنان قلع ضرسها دون أن تلجأ للزراعة، لأن زرع ضرس واحد يكلفها 1200 دولار أي أنها تحتاج للعمل سنة كاملة كي تؤمن المبلغ.
طبيب الأسنان زاهر سليمان يوضح لـ “هنا لبنان” أنه وبسبب التكلفة الباهظة لعلاج الأسنان تراجع الاهتمام بشكلٍ كبير بالصحة الفموية لأنها أصبحت عبئاً كبيراً على المريض إذ بات الكثير من الناس لا يذهبون إلى الطبيب إلا بعد أن يصل الأمر بهم إلى درجةٍ لا يتمكنون فيها تحمّل الألم، ونصادف يومياً أشخاصاً يسألون عن الأسعار وبعد أن نعلمهم بها يذهبون دون رجعة” .
وتبدأ تكلفة تصحيح ضرس واحد لدى طبيب مختص 20 دولاراً وهو مبلغ يدفع مقابل وضع “رصاصة” ليصل إلى مئات الدولارات حسب كل حالة.
وتختلف التسعيرة بين طبيب وآخر ففي بيروت ليس كما الشمال أو الجنوب أو البقاع، فعيادات المدينة وخصوصاً المستأجرة تكلف الطبيب بحدود 50 ألف دولار كمصاريف تشغيلية خلال السنة أما الأطباء الذين يمتلكون عياداتهم الخاصة، فهم أكثر قدرة على التخفيف من الفاتورة على المريض.
وهنا يوضح د.سليمان أن غلاء الأدوات والمواد وتأثير سعر الصرف أحدث إرباكاً لدى الأطباء والمرضى، حتى أصبحت تكلفة علاج السن الواحد تفوق الراتب الشهري للمريض خصوصاً من لم يتم تصحيح أجره.
ويلفت إلى “أن الأسعار لا يحددها الطبيب بل تصدر عن النقابة وعلينا الالتزام بها إضافة إلى أن كلفة تجهيز وتشغيل عيادات الأسنان مرتفعة مقارنة بالتخصصات الطبية الأخرى”.
ويتابع: “أطباء الأسنان منذ أكثر من سنة وهم يشترون المواد الطبية بالدولار علماً أن أسعارها ارتفعت عما كانت عليه وبالتالي هم مرغمون على التسعير بالدولار”.
مشهد المرضى وهم يعانون من مشاكل عدة، ويعجزون عن متابعة علاجهم كارثي. في الحالات البسيطة نستطيع النظر إنسانياً إلى أوضاع بعضهم أما الذين يعانون مشاكل كثيرة فنأسف لحالتهم ونحاول مساعدتهم قدر المستطاع. بحسب د. سليمان.
ويعطي مثالاً: “هناك مرضى يزورون العيادة وتكون أعراض الألم لديهم في أكثر من سن، ولكن بسبب السعر يطلبون معالجة السن الأكثر تضرراً، ويتناولون المسكنات لتخفيف الألم إلى حين التمكن من علاجها”.
د. سليمان يؤكد من خلال عمله الميداني أن “المريض ذا الدخل المحدود فُقد من عيادات طب الأسنان كأساتذة المدارس والعسكريين والموظفين، فهم لا يزوروننا إلا للضرورة القصوى”.
وفي السياق، يوضح صاحب إحدى مختبرات صناعة الأسنان في بيروت أن “تكلفة صناعة الأسنان ترتفع وتنخفض متأثرة بتقلبات الدولار، لأن المواد الأولية في صناعتها مستوردة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار معدات التصنيع والأجور وغيرها”.
ويختلف سعر السن باختلاف المادة المصنوع منها، إذ يتراوح سعر سن “الزيركون” بين 150 و250 دولاراً، بينما تبلغ تكلفة سن “الخزف” 100 دولار تقريباً، وتكلف زراعة السن الواحدة 1000 دولار. أما تكلفة سحب العصب فتبلغ 100 دولاراً تقريباً.
الوضع بات غير محتمل وعلاج أمراض الفم والأسنان الذي هو حق طبيعي لأي مواطن أصبح حلماً أما عيادات طب الأسنان فهي شبه فارغة، فهل تفتح هذه الأزمة الأبواب أمام تهريب المواد الأقل جودة والتي تدخل في صناعة وعلاج الأسنان؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ | قائد الجيش “رجل المرحلة”.. التمديد أو الإطاحة بالـ1701! |