أزمة تصريف التفّاح في جرود البترون.. نموذج آخر من الأزمات اللبنانيّة
كتبت فاتن الحاج حسن لـ “هنا لبنان”:
مع اقتراب موسم قطاف التفّاح في بلدات وقرى الجرد البتروني، تتجدّد معاناة المزارعين على أكثر من صعيد:
فأجرة عمّال القطاف مرتفعة، ولا تقلّ عن ثلاثمئة ألف ليرةٍ لبنانيّةٍ يومياً لكلّ عامل.
كما أنّ أسعار الصناديق البلاستيكيّة اللازمة لجمع التفّاح في ازديادٍ متواصل.
وإلى ذلك، فالتوضيب (رصف التفّاح بحسب حجمه في الصندوق) يستلزم استخدام الكرتون والحبال (المراسي)، وهذه الموادّ هي الأخرى مكلفة جدّاً.
وعند التصريف، يجد المزارع نفسه أمام عدّة تحدّيات، الهيّن بينها صعب:
فالبيع بالجملة يستلزم وجود شارٍ يكون عادةً من خارج البلدة، ومن المعتاد أن يفرض تجّار التفّاح سعراً شبه موحّدٍ؛ فيصبح هامش المفاوضة بين المزارع والتاجر في ما خصّ السعر ضيّقاً لا بل معدوماً.
وفي هذا الموسم، يُعرض على المزارعين في تنورين – على سبيل المثال (وهي أكبر منتجٍ للتّفاح في منطقة البترون) – سعر بمعدّل الثلاثة دولاراتٍ للصندوق الواحد (الصندوق يحوي عشرين كيلوغراماً من التفّاح على الأقلّ).
هذا الغبن الكبير للمزارع يتفاقم إذا أخذ المزارع بالحسبان التكاليف التي تكبّدها خلال الفترة التي سبقت القطاف، من أجرة عمّالٍ وأسمدةٍ ومبيداتٍ وصيانة أشجارٍ بالإضافة إلى المجهودات الأخرى التي لا تنتهي.
وفي هذا الحال، يجد المزارع نفسه أمام خيارٍ آخر ولكنّه أمرّ من الأوّل، ألا وهو وضع التفّاح في البرّاد؛ لكنّ دون ذلك عائق التكلفة المرتفعة للتبريد والنقل إلى البرّاد، والتي تتجاوز سعر التفّاح المبرَّد، والكلّ يعلم تكاليف الكهرباء في ظلّ أزمة الانقطاع المتواصل.
ويبقى أن يوزّع المزارع إنتاجه بالمفرّق على المحالّ، ولكنّ تكاليف النقل المرتفعة من جرّاء غلاء أسعار المحروقات من جهةٍ وانخفاض أسعار التفّاح في المحالّ من جهةٍ أخرى؛ يجعلان من هذا الخيار غير نافعٍ للمزارع.
أمام هذه المآزق، يجد المزارع نفسه في ورطةٍ لا مفرّ له منها، وخاصّةً أنّ الجهات الرسميّة لا تحرّك ساكناً ولا تمدّ يد المساعدة لمزارعي التفّاح الذين تتكرّر معاناتهم في كلّ موسم؛ وإلى ذلك، فما يصعّب من الوضع الحالي هو امتناع الدول الأجنبيّة – والعربيّة منها على وجه التحديد – عن شراء التفّاح اللبناني، بحجّة عدم مطابقته المواصفات لدى تلك الدول من جهةٍ أو بسبب المقاطعة الصريحة من بعض الدول للإنتاج اللبناني ككلّ.
ويبقى السؤال الكبير موجّهاً إلى السلطات المحليّة، وبخاصّةٍ للبلديّات؛ فلماذا لا تقوم بالاتّصال بالجهات المعنيّة حكوميّةً كانت أم خاصّةً لبنانيّةً أو أجنبيّة، وبطَرق كلّ الأبواب لإيجاد المخرج وتصريف التفّاح، وهو العصب الأساسي لمعيشة المزارعين والأهالي؟
والسؤال الآخر الأكثر إلحاحاً يُطرح على النوّاب، الذين كانوا ناشطين جدّاً بوعودهم خاصّةً في المسائل الأساسيّة والقضايا الحياتيّة والأزمات المعيشيّة؛ وها هي أزمة مزارعي التفّاح من أكثرها إلحاحاً، فأين تلك الوعود؟!
مواضيع مماثلة للكاتب:
قطاع تربية النحل بين الإهمال الحكومي والاهتمام الأممي | فؤاد شهاب .. “الرئيس القائد”! | متلازمة الفيبروميالجيا: الأسلوب الأفضل للعلاج |