قصة “اتفاق الطائف”: لهذا السبب رفضه عون وهذا ما قاله الأخضر الإبراهيمي
كتب جان الفغالي لـ “هنا لبنان”:
تروي الكاتبة كارول داغر (وهي كانت قريبة من العماد ميشال عون) في كتابها “جنرال ورهان”:
“في السابع والعشرين من تموز من العام 1990 أبلغ السفير البابوي بابلو بوانتي إلى العماد ميشال عون رسالة من البابا يوحنا بولس الثاني بضرورة الاعتراف بالشرعية والانضمام إليها، لكن عون رفض بشدة وسأل السفير البابوي: “ممن هذه الرسالة؟ فأجابه: إنها من قداسة البابا، فرد عليه عون: “قل للبابا إنه رئيس الكاثوليك في العالم أما في لبنان وفي الشرق فأنا رئيس المسيحيين”.
حصلت هذه الواقعة بعد تسعة أشهر على توقيع اتفاق الطائف، وبعد انتخاب رئيسين للجمهورية، الرئيس الياس الهراوي بعد اغتيال الرئيس رينيه معوض، فالعماد عون رفض تسليم مقر الشرعية اللبنانية، قصر بعبدا، للرئيس معوض ثم للرئيس الهراوي، وجاءت هذه الواقعة قبل شهرين ونيِّف من العملية العسكرية التي أطاحت عون وأنهت التمرد على الشرعية.
ثلاثة وثلاثون عامًا على اتفاق الطائف، رفضه عون من اليوم الأول، ورفضه بعد إقراره، وثمة مَن يقول إنه ما زال يرفضه إلى اليوم.
غروب يوم الجمعة، التاسع والعشرون من العام 1989، حطت في مطار مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية، الطائرة التي تُقل النواب اللبنانيين، عشية بدء المؤتمر الذي سيناقش “وثيقة الوفاق الوطني”.
نزل النواب اللبنانيون في قصر المؤتمرات فيما نزل الصحافيون في فندق مسرَّة انتركونتيننتال.
صباح السبت 30 أيلول 1989، افتتِح المؤتمر بكلمةٍ لوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، وبعد جلسة الافتتاح أٌغلِقت أبواب قصر المؤتمرات وعاد الصحافيون إلى قاعة الصحافة في فندقهم، ليبدأ عمليًا المؤتمر.
كانت التوقعات ألا يستغرق المؤتمر أكثر من بضعة أيام، فيعود النواب مطلع تشرين الأول إلى بيروت، لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر، فالأيام المعدودة تحوَّلت إلى ثلاثة أسابيع، حتى أن بعض النواب لم يتوقعوا أن يطول المؤتمر كل هذه المدة، فشوهدوا في أسواق الطائف يشترون ما يحتاجون إليه لأن حقائبهم حملت من بيروت أغراضًا لأيام معدودة وليس لقرابة الشهر.
كانت النسخة الأولى من “وثيقة الوفاق الوطني” معدَّة سلفًا، وفي حوزة رئيس مجلس النواب آنذاك السيد حسين الحسيني، وكان المطلوب إجراء
” قراءة” للوثيقة وتنقيحها، وكان يُفترض أن لا يستغرق الأمر أكثر من أسبوع.
كانت خطوط الاتصالات من قصر المؤتمرات مفتوحة على لبنان وتحديدًا على مقرات القوى الرئيسية: من قصر بعبدا إلى بكركي إلى مقر قيادة القوات اللبنانية إلى المختارة إلى بربور (مقر رئيس حركة أمل) إلى زغرتا، وفي الخارج إلى الفاتيكان وواشنطن وباريس ودمشق.
كان محور الاتصالات ووسيطها شخصان: الأخضر الإبراهيمي، موفد اللجنة الثلاثية العليا، والشيخ رفيق الحريري الذي واكب من الطائف يوميات المؤتمر.
بعد ثلاثة أسابيع، خرج الدخان الأبيض من قصر المؤتمرات. ودَّع النواب اللبنانيون الطائف وتوجهوا إلى مدينة جدة حيث استقبلهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، وألقى كلمة هنَّأهم فيها على إنجازهم الاتفاق وأعلن عن مساعدة من المملكة للبنان لإعادة الإعمار.
كلما اقتربت الأيام لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، كلما استشعر العماد ميشال عون بأن أيامه انتهت في قصر بعبدا. لم يعد النواب من السعودية إلى بيروت خشية أن يحتجزهم العماد عون أو يكون مكان جلسة الانتخابات تحت مرمى نيران مدفعيته. كان الاقتراح أن يزورا المغرب والجزائر لشكرهما على رعايتهما مؤتمر الطائف، مع المملكة العربية السعودية، في إطار اللجنة الثلاثية العليا، وكان في اعتقاد النواب أن تلك الفترة قد تكون كافية للتفاوض مع العماد عون عبر الأخضر الابراهيمي.
حطَّ النواب في باريس وتحديدًا في فندق “رويال مونسو”، وبدأ البحث في آلية انتخاب الرئيس.
التاسعة من صباح الأحد الخامس من تشرين الثاني أقلعت طائرة النواب اللبنانيين من مطار “لوبورجيه” إلى مطار القليعات شمال لبنان، وقبل أقلّ من أربع وعشرين ساعة، وتحديدًا فجر الرابع من تشرين الأول، أعلن العماد عون حل مجلس النواب. لكن ذلك لم يحُل دون انتخاب رينيه معوض رئيسًا للجمهورية.
اتفاق الطائف انعقد لهدفين: إقرار الإصلاحات السياسية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية. أقرَّت الإصلاحات بطريقة دستورية بعد سنة تقريبًا على إقرار الطائف، وانتُخب رئيسان للجمهورية قبل أن تنهي التمرد على الشرعية عملية عسكرية خرج فيها العماد ميشال عون من قصر بعبدا إلى السفارة الفرنسية.
حين جاء الابراهيمي إلى بيروت لتوجيه دعوة الملك فهد للعماد عون لحضور حفل اختتام المؤتمر، سأله عون عن الدور الذي خصص له في إطار تنفيذ الطائف فأجابه الإبراهيمي: بإمكانك أن تكون وزيرًا ونائبًا وأن تؤسس حزبًا. استاء عون ولم يُعطِ الجواب مباشرة، وطلب تأجيل الجواب يومًا، وفي اليوم التالي أعلن في مؤتمر صحافي رفضه لاتفاق الطائف، وكان تعليق الابراهيمي على هذا الرفض:
“لو كان عون متأكدًا من انتخابه رئيسًا للجمهورية لوافق على السفر إلى جدة”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
هل سقطت معادلة “الشعب والجيش و… إيران”؟ | راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة |