“المضمون” في لبنان ضحية السياسات الخاطئة.. وجرائم عدة ترتكب بحقّه!
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
لم تدع الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية التي يتخبّط بها لبنان قطاعاً من شرّها، هذه الأزمة التي انطلقت شرارتها الأولى مع اندلاع ثورة 17 تشرين 2019 أدت إلى شبه غياب في تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين من طبابة ورعاية صحية وتعليم .
فقبل الأزمة كان عشرات آلاف المواطنين من متوسطي ومحدودي الدخل يعتمدون في تأمين استشفائهم وطبابتهم على الجهات الضامنة التي راحت تعاني من عجز عن دفع فواتير المستشفيات، على خلفية ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
وتتنوع الجهات الضامنة في لبنان بين العلاج على نفقة وزارة الصحة العامة، و”الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي” و”تعاونية موظفي الدولة” وشركات التأمين الخاصة. ولطالما شهدنا أزمة بين المستشفيات وبين الصندوق والتعاونية بعد توقفهما عن تسديد السلفات الشهرية لصالح المستشفيات الخاصة مقابل الخدمات الطبية والاستشفائية المقدمة للمنتسبين إليهما، تمثلت في بعض أوجهها بتوقف بعض المستشفيات عن استقبال مرضى الضمان والتعاونية ما عدا الحالات الحرجة، فيما لا تزال تفرض بعض المستشفيات دفع مبلغ بالدولار فريش مقابل إدخال المريض إلى غرفة الطوارئ إلى حين إيجاد غرفة له في المستشفى.
وفي هذا السياق يعلق رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر في حديث لـ “هنا لبنان”: “صندوق الضمان يتساوى مع تعاونية الموظفين من حيث عدم القدرة على الإيفاء بالتزاماتهما تجاه المضمون له أو المنتسب إلى تعاونية موظفي الدولة، طبعاً تمّ تخصيص مبلغ 400 مليار لتعاونية الموظفين في المرحلة الأخيرة في مجلس النواب. وهذا ما مكنها من رفع تقديماتها 5 أضعاف بعد أن بلغت حدًّا متدنيًّا جداً”.
وفي ما يتعلق بالصندوق فيشرح بأنه كان يدفع 90 % استشفاء و80 % طبابة، أيضاً تدنت تقديماته إلى 10 % من قيمة الطبابة والاستشفاء لذلك (باعتبارها لا تزال تدفع على تسعيرة الدولار 1500 ليرة)، وكما الحال مع التعاونية، حققنا بعض الزيادات التي طرأت ضمن لجنة المؤشر والتي ساهمنا بها في رفع الحد الأدنى للأجور وأصبح 2.600.000 ليرة، لافتاً إلى أنه بات بإمكاننا التحدث عن اشتراكات ستضخّ في الصندوق توازي 1600 مليار ليرة.
هذه الخطوة سمحت للضمان في وقت سابق بزيادة تعرفات الاستشفاء 3 مرات، ومع ما تقرّر دفعه مع وزير المالية منذ أيام إثر الزيارة التي قمت بها مع المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي مبلغ 400 مليار، حينها يمكن القول أننا سنصل إلى مبلغ 5 أضعاف كما حصل مع التعاونية.
في نظرة واقعية وسريعة فإن هاتين المؤسستين ومعهما العديد من المؤسسات الضامنة في لبنان شهدت أزمة مالية جدية غير مسبوقة ومشاكل في تعاملاتها مع مؤسسات القطاع الخاص الطبية والاستشفائية نتيجة تدهور العملة الوطنية الذي انعكس ارتفاعاً في أسعار الطبابة والإستشفاء والدواء وليس إنتهاء بالفحوصات الطبية في المختبرات الخاصة ….
وحتى اليوم لا يمكن التأكيد على توقف المسار الانحداري للقطاع الصحي والاستشفائي، بل عن خطوات تخفف من سرعة هذا الانحدار إلى أجل غير مسمى، يرتبط تحديده بمجموعة من العوامل أكثر من نصفها غير متوافر حتى الآن.
وخوفاً من توقّف أو تراجع حجم التقديمات التي توفرها المؤسسات الضامنة لأكثر من ثلث الشعب اللبناني وبهدف تأمين استمرارية تقديمات هذه المؤسسات الضامنة بالقانون يوضح الأسمر أنه بالنسبة للضمان نحن لدينا أيضاً مفاوضات ضمن لجنة المؤشر لرفع الحد الأدنى للأجور مرة أخرى، وقد نصل إلى أرقام تقريباً مقبولة قادرة على تأمين اشتراكات مقبولة للصندوق، مذكراً بأنّ كل الزيادات في القطاع الخاص يُصرح عنها لصندوق الضمان على عكس الزيادات في القطاع العام التي أتت تحت مسمى مساعدات إجتماعية.
وبرأيه هذا كله لا يكفي في ظل الإرتفاع الحاصل في سعر صرف الدولار، لأن هذه الزيادات التي تطرأ على التعرفات تتبخر مع الإرتفاع المستمر في سعر الصرف، وبالتالي الزيادات التي تفرضها المستشفيات أو الزيادات الحاصلة على سعر صرف الدواء غير مجدية لأمد متوسط أو بعيد لأننا بحاجة أن يكون هناك سعر صرف ثابت حتى نتمكن من المعالجة.
وفي الختام يبقى السؤال ماذا بقي أثمن من صحة اللبناني لديه، ليقدمها كضحية تضاف إلى سجل الجرائم التي إرتكبها سعر صرف الدولار “المتفلت” من أي قيود في السوق السوداء والتي على الأرجح لن تكون الأخيرة إلى حين حلول موعد وضع حدود له الأمر الذي يبدو بعيد المنال أقله في الأشهر الستة المقبلة .
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |