العهد الراحل والكيل بمكيالين!
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
على ضوء السجال “الدستوري” حول صلاحيات الحكومة القائمة (وهو في الواقع سجال سياسي لا أكثر ولا أقل) الذي افتعله التيار الوطني الحر بالتزامن مع مغادرة الرئيس السابق ميشال عون لقصر بعبدا، يبدو من المفيد التذكير ببعض الوقائع التاريخيّة علها تفيد في المقارنة.
في ربع الساعة الأخير من ولاية الرئيس أمين الجميّل (١٩٨٢- ١٩٨٨)، وبعد الفشل في تشكيل حكومة وطنيّة جامعة نتيجة تردد عدد من الشخصيّات الوطنيّة (المسيحيّة تحديداً وكان من أبرزها في تلك المرحلة الرئيس السابق شارل حلو والنائب بيار حلو وسواهما) تمّ تأليف حكومة انتقاليّة، أصدر الرئيس الجميّل مرسوم تكليف قائد الجيش يومذاك العماد ميشال عون رئاسة حكومة انتقاليّة تضم في صفوفها أعضاء المجلس العسكري (وهم بطبيعة الحال يمثلون الطوائف الأساسيّة كما هي الحال في كل التعيينات الرسميّة في لبنان).
بعد دقائق من صدور المرسوم، أعلن الضباط المسلمون الثلاثة استقالتهم فوراً من الحكومة، ودخلت البلاد آنذاك في حقبة الحكومتين لأن الحكومة الأخرى كانت برئاسة الرئيس سليم الحص ووقع النزاع السياسي والدستوري المعروف المتصل بتحديد شرعيّة أي من الحكومتين.
هذا أمر معروف، ولكن ربطاً بالأزمة التي يفتعلها التيار الوطني الحر حول “مصادرة” حكومة تصريف الأعمال لصلاحيّات رئيس الجمهوريّة، لا بد من تسجيل الملاحظات الرئيسيّة الآتية:
أولاً، غالباً ما يتغاضى التيار المذكور عن قضيّة “الميثاقيّة” التي اخترعها وتسبب من خلالها بتعطيل وشل الحكومات لأشهر طويلة، متناسياً أن تلك الحكومة العسكريّة الشهيرة فقدت ميثاقيتها بعد دقائق من تشكيلها وواصلت عملها في المناطق التي كانت تحت سيطرتها دون أن يرف جفن العماد عون أو أي من مناصريه.
ثانياً، والأهم، أن السجال حول مصادرة صلاحيّات رئيس الجمهوريّة لم يُقارب آنذاك لا من قريب ولا من بعيد، لا بل صرف العماد عون النظر عن إجراء الانتخابات الرئاسيّة طالما أن الظروف لم تكن تفضي لصالح انتخابه، لا بل حل مجلس النواب، ومنع جميع النواب المسيحيين الذين شاركوا في اجتماعات “الطائف” من العودة إلى بيوتهم في ما كان يُسمّى آنذاك “المنطقة الشرقيّة”.
ثالثاً، لم يتجاوز العماد عون في تلك المرحلة الصلاحيّات “المنطقيّة” فقط في تلك الحقبة، بل شن حربين مدمرتين “التحرير والإلغاء”، أدتا- في ما أدتا إليه- إلى أوسع هجرة من المناطق المسيحيّة. الهجرة تكررت مع الرئيس عون بأعداد هائلة ومخيفة بعد انتخابه رئيساً للجمهوريّة سنة ٢٠١٦ وبشكل مكثف بعد الانهيار المالي والاقتصادي الذي شهده عهده.
وبالتالي، السؤال الأساسي يتصل بكيفيّة تفسير كل هذه التناقضات الهائلة للتيار الذي يسعى دائماً لافتعال المشاكل والصراعات ويغذي شعبيته المترنحة من خلال البحث الدائم عن خصوم سياسيين تحت عناوين براقة إنما فارغة.
المهم الآن أن العهد قد انتهى، على أمل أن تدخل إلى القصر الرئاسي قريباً شخصيّة وطنيّة يكون عنوانها الإعتدال والإنفتاح والحفاظ على التوازنات الوطنيّة. مباركة للرابية عودة جنرالها، ومبارك للبنانيين انتهاء أسوأ عهد عرفوه منذ الاستقلال.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |