دولار السّوبرماركت يحلّق… والمحاضر تلحق به!
كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:
يتنافسُ “الفراغ” و”الفوضى” على تصدُّر عنوان المرحلة الحاليّة المفتوحة على كلّ الاحتمالات. ففي ظلّ فراغٍ رئاسيٍّ من غير المعروف متى ستملؤه كلمةُ السّرّ الخارجيّة، وشبه فراغٍ وزاريٍّ مع حكومة تصريف أعمالٍ مفخّخةٍ من الدّاخل، وفراغٍ وظيفيٍّ مهنيٍّ مع هجرة آلاف العاملين، تُسيطر فوضى اقتصاديّةٌ ماليّةٌ على المشهد العام المنهار؛ مع تخوّفٍ من فوضى اجتماعيّةٍ وأمنيّةٍ ستدقّ المسمار الأخير في نعش البلد.
من أبرز أوجه الفوضى الاقتصاديّة الماليّة هو تعدّد أسعار صرف الدّولار المتفلّتة من أيّة ضوابط أو رقابة، الّتي تتحكّم فيها تطبيقاتٌ وصرّافون وسوقٌ سوداء. وإلى جانب سعر الدّولار الرّسمي، اللّولار، الدّولار الجمركي، دولار السّوق السّوداء، ودولار الصرّافين، “يتفَرعَن” دولار السّوبرماركت، ذات السّقف الأعلى والارتدادات الكارثيّة. فقد تجاوز سعر صرف الدّولار في العديد من متاجر بيع السّلع والمواد الغذائيّة، حدود الـ45 ألف ليرة لبنانيّة، عندما لم يكن سعر صرف الدّولار في السّوق السّوداء قد لامس عتبة الـ40 ألفًا.
جولةٌ بسيطةٌ على محال السّوبرماركت الكبرى في لبنان، كفيلةٌ بإظهار الغلاء الجنونيّ والفاحش، مقابل انكماش القدرة الشّرائيّة لدى معظم المواطنين، إلى درجة تحوّل الكثير من المواد الغذائيّة الّتي لم تكن تبارحُ الموائد اللّبنانيّة، إلى كماليّات. صحيحٌ أنّ وزير الاقتصاد والتّجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام كان قد قام بجولاتٍ رقابيّةٍ متعدّدةٍ في الأشهر الماضية، إلّا أنّها لم تنجح في نزع الثّوب الاستعراضي عنها، ولم تكن نتائجها طويلة المدى. على الرّغم من ذلك، لا تزال وزارة الاقتصاد ومصلحة حماية المستهلك فيها، تحاولان القيام بعملهما وضبط الفوضى وردع جشع التّجّار، وسط إمكانيّات ضئيلة.
في هذا السّياق، يشرح المدير العام لوزارة الاقتصاد والتّجارة محمد أبو حيدر، في حديث لـ “هنا لبنان”، أنّ “عملنا بشكلٍ عامٍّ هو الرّقابة، إذ نقوم بجولاتٍ على محال السّوبرماركت والمستوردين”، لافتًا إلى أنّ “أحيانًا عند انخفاض سعر صرف الدّولار في السّوق السّوداء، لا تنخفض الأسعار توازيًا في السّوبرماركت، الّتي تتحجّج بأنّ المستوردين لم يخفّضوا الأسعار؛ وبالتّالي نحن نلاحق ونراقب كلّ هذه السّلسلة”.
ويوضح أنّ “عند رصد أيّ مخالفةٍ، نسطّر محاضر ضبطٍ وفقًا لصلاحيّتنا، ونحيلها إلى القضاء المختصّ بحسب الأصول، وتصبح الكرة في ملعبه”. ويذكر “أنّنا في العام الماضي، قمنا بما يقارب 13200 جولة على المؤسّسات المختلفة”.
وعلى الرّغم من حداثة قانون حماية المستهلك اللّبناني رقم 659 /2005، إلّا أنّ الوزارة ارتأت تحديثه بمشروع قانونٍ أعدّته، بعدما تبيّن لها من خلال تطبيق أحكامه، وجود ثغراتٍ حالت دون تحقيق النّتائج الّتي كانت متوخّاة منه؛ وذلك بحسب ما أعلن سلام في 27 أيلول الماضي. من جهته، يكشف أبو حيدر “أنّنا سنقوم بإعادة وضع ملاحظاتٍ وتعديلٍ على قانون حماية المستهلك، لرفع قيمة الغرامات المفروضة. فلِكي تكون هذه الأخيرة رادعةً، يجب أن تكون كبيرةً جدًّا”.
الرّقابة ليست فقط مسؤوليّة وزارة الاقتصاد أو مصلحة حماية المستهلك، بل تقع أيضًا على عاتق البلديّات والمستهلكين، الّذين عليهم المساعدة في الإبلاغ عن أيّة تجاوزاتٍ يرصدونها. من هنا، يناشد البلديّات أن “تواكبنا في موضوع الرّقابة. ففي ظلّ وجود ما يزيد عن 22 ألف نقطة بيع على مختلف الأراضي اللّبنانيّة، لدينا في المقابل 1055 بلديّة، في حين لا يوجد سوى 50 أو 60 مراقبًا في الحالة القصوى، مطلوب منهم متابعة موضوع المولّدات الكهربائيّة ومحطّات الوقود وسلامة الغذاء ومحال السّوبرماركت وتسعيرة الغاز والإسمنت وغيرها من الأمور؛ وهذا يفوق قدرتهم”.
ويؤكّد “وجوب تضافر جهود الجميع، وأن تقوم البلديّات بواجباتها الّتي ينصّ عليها قانونا حماية المستهلك وتنظيم البلديّات. إذا قامت كلّ بلديّةٍ بمراقبة الأسعار ضمن نطاقها الجغرافي، فهذا سيسهّل مهمّتنا، ويساعدنا على ضبط التفلّت والمخالفات”.
وفي ظلّ التقلّب المستمرّ في سعر الصّرف، وغياب معايير محدّدة للآليّة الواجب اعتمادها بالنّسبة للتّسعير، ارتفعت أصواتٌ مطالبةٌ بأن تُصبح أسعار السّلع في السّوبرماركت بالدّولار، إلّا أنّ أبو حيدر يجزم أنّ “هذا الأمر مخالفٌ وغير قانونيّ ونحن ضدّه، لا سيّما أنّ المواطنين لا يزالون يتقاضون رواتبهم باللّيرة اللّبنانيّة”.
لا شكّ أنّ التّضخّم أزمةٌ عالميّةٌ وليست محليّة، وأنّ ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائيّة في الخارج يلقي بظلاله الثّقيلة على الدّاخل اللّبناني المنهك أساسًا. ولا شكّ أيضًا أنّ اختلاف سعر الصّرف اليوميّ يعرّض المؤسّسات التّجاريّة للخسارة في الكثير من الأحيان، لكنّ ذلك لا يشرّع لكارتيل التّجار والمورّدين أن يقضموا عظام الشّعب، بعدما لم يبقَ مِن لحمٍ لينهَشوه. فهل ستنجح الخطوات الرّسميّة في لجم الفوضى، أم أنّ نغمة “وحياة ولادي شاريهم على…” ستبقى السّائدة؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |