بين الإلتباس والتعطيل جدل دستوري حول المادة 49 من الدستور: نصاب الثلثين حجة للتعطيل؟!
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:
هو الجدل العقيم نفسه حول الدستور وتفسير مواده. وفي كل إستحقاق ينقسم النواب في تفسير نصوص من المفترض ألا تحمل أي تأويل. إلا أن ما شهدته الجلسة الخامسة لانتخاب رئيس للجمهورية من جدل حول نصاب أكثرية الثلثين المعتمد لانعقاد الجلسات الانتخابية يثبت مرة أخرى أن بعض المواد في الدستور اللبناني ملتبسة وتحمل التأويل. مثال على ذلك المادة 49 التي لم تحدد النصاب المتوافر أو الواجب توافره لاكتمال النصاب افتتاحاً للجلسة بل حددت فقط الغالبية المطلقة لإعلان فوز مرشح. وهي تنص على أنه “ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي”. وحول هذا النص انقسم النواب بين من يطالب بأن يكون اعتماد الثلثين عند انعقاد الجلسة ثم اعتماد نصاب الأكثرية المطلقة في الدورات الانتخابية اللاحقة على أن تبقى الجلسة مفتوحة إلى أن ينتخب رئيس، إلا أن لرئيس مجلس النواب نبيه بري وجهة نظر مختلفة داعياً إلى قراءة الدستور الذي يلزم باعتماد نصاب أكثرية الثلثين في كل دورة انتخابية.
أما رأي الخبراء الدستوريين فليس ببعيد عن هذا الجدل الحاصل في مجلس النواب.
رئيس مؤسسة “JUSTICIA” الحقوقية الدكتور بول مرقص أكد لموقع “هنا لبنان” أن المادة 49 من الدستور لا تنص على نصاب بل حصراً على غالبية الثلثين لانتخاب رئيس في الدورة الأولى والغالبية المطلقة في الدورة الثانية وما يليها وهي لا تأتي على ذكر النصاب. وإذا كان هناك في الدورة الأولى تماهٍ بين الغالبية والنصاب طالما المطلوب تصويت ٨٦ نائباً وبالتالي أن يكونوا حاضرين، فما لا نبرره هو أن يتم في باقي الدورات التمسك بنصاب الـ ٨٦. ولفت مرقص إلى أن هناك تفسيرات فقهية أدت إلى نتائج في التعطيل لا يوافق عليها، ومنها القول أن الممارسة قد درجت على ذلك أضف أن هناك رأياً للجنة الإدارة والعدل عام ١٩٨٠ بضرورة توافر نصاب الثلثين. وبالتالي إن التمسك بنصاب الـ ٨٦ في كل الدورات يعطي مع تراجع الأخلاقيات السياسية وسوء الممارسة وانعدام المسؤولية حجة لـ ٤٤ نائباً لتعطيل انعقاد مجلس النواب وهنا ألا نكون بصدد تعسف الأقلية بدل تعسف الأكثرية واستعمال متكرر غير مشروع للنصاب في أمر جلل بدل اللجوء إلى التنافس الديمقراطي بين الأكثريات.
وجهة نظر دستورية أخرى تحدث عنها الخبير الدستوري الدكتورعادل يمين لموقع “هنا لبنان” لافتاً إلى أنه استناداً إلى المادة 49 من الدستور يُنتخب رئيس الجمهورية بالإقتراع السري بأغلبية الثلثين من مجلس النواب في دورة الإقتراع الأولى وبالأغلبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي وبحسب الممارسة الثابتة منذ العام 1943 لغاية اليوم والعرف المعتمد فإن النصاب المطلوب لجلسة الانتخاب الرئاسي هو الثلثين من عدد أعضاء مجلس النواب أي 86 من أصل 128 على الرغم من أن المادة 49 لم تتضمن نصاباً صريحاً إلا أنها تتضمن نصاباً مضمراً كونه يُستنتج من أغلبية الفوز حيث أن الأغلبية المطلوبة للفوز في دورة الاقتراع الأولى هي الثلثين من مجلس النواب أي 86 من أصل 128 ولا يجوز الإنتقال إلى الدورة الثانية إلا بعد أن تكون تمت دورة الإقتراع الأولى أما القول بأنه يجب الإكتفاء بنصاب النصف زائداً واحداً في دورة الإقتراع الثانية كون الأغلبية المطلوبة للفوز هي النصف زائد واحد من عدد مجلس النواب فلا يستقيم دستورياً وواقعياً لسببين:
-السبب الأول هو أن دورة الإقتراع هي جزء من الجلسة عينها أي أقصد أن دورات الإقتراع المتتابعة هي جزء من جلسة واحدة ولا يجوز أن يكون للجلسة الواحدة نصابان
-السبب الثاني هو ميثاقي كون رئيس الجمهورية هو رمز وحدة الوطن بحسب المادة 49 فلا يجوز أن ينتخب بالنصف زائداً واحداً حضوراً وإن كان يجوز ذلك في دورة الإقتراع الثانية والثالثة من حيث التأييد ولكن السماح بأن يتم الإنتخاب بحضور فقط نصف أعضاء مجلس النواب فهذا يُفسح المجال لأن يُنتخب الرئيس بحضور فئة دينية واحدة من النواب زائدةً نائباً واحداً من الفئة الأخرى وهذا يخل بمقتضيات العيش المشترك وحيث أن الفقرة “ي” من مقدمة الدستور تنص على أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك وحيث أن المادة 49 تنص على أن رئيس الجمهورية هو رمز وحدة الوطن حيث أن الممارسة الثابتة منذ العام 1943 هي في توافر نصاب ثلثين في كل جلسات ودورات الإقتراع حتى يُجرى الإنتخاب الرئاسي.
يمين أكد أن كل ذلك يقود إلى القول إن المطالبة في عقد جلسة في الدورة الثانية بالنصف زائداً واحداً من النواب مطالبة غير دستورية وغير ميثاقية.
أمام هذا التناقض في تفسير الدستور، هل يُفتح يوماً الباب أمام إمكانية تفسير أو توضيح لمواد الدستور لعلنا ننتهي من هذا الجدل ومن استغلال مواد ملتبسة للتعطيل. فيما يفسر البعض هذا الالتباس بطريقة إيجابية: “للخير العام !…”
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |