لبنان على حافة الهاوية في ظل التراشق السياسي ولا مؤشرات قريبة لإنقاذه
كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:
تحتدم المعركة الرئاسية كلامياً عبر الحملات الإعلامية للبعض من دون أن تصل جلسات مجلس النواب إلى أي نتيجة عملياً لوضع نهاية للفراغ القاتل، الذي يطيح بمؤسسات الدولة على مرأى من المسؤولين الذين لا يتحملون أي مسؤولية اتجاه الوطن والناس. ولأن الداخل غير قادر على إنتاج رئيس للجمهورية والأبواب موصدة أمام الحلول تبقى العيون شاخصة باتجاه الخارج الذي يسعى عبر محاولات خجولة بعض الشيء للتوصل إلى تسوية إقليمية لم تنضج بعد.
فرنسا قبلة اللبنانيين في كل زمان والحاضر الأكبر في موضوع المحاولات الجادة لمساعدة لبنان من أجل تخطي أزماته، عبر الحفاظ على سيادة الدولة والاستقرار تنشط سفيرتها على أكثر من خط من أجل تكوين أفكار يمكن مقاربتها بين جميع الأفرقاء السياسيين وتساعد في حال تبلور الحل الخارجي، وهذا ما استدعى زيارتها الأخيرة إلى فرنسا لنقل ما سمعته في مجالسها الدبلوماسية وبعد عملية الاستطلاع التي قامت بها.
ليست وحدها من زار فرنسا التي استقطبت رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إذ وبعد لقائه مع المستشار باتريك دوريل والذي لم يتسم بالإيجابية، شن حملات شعواء على كل من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس مجلس النواب نبيه بري وذلك عقب لقاء جمعهما ولم يلقَ خلاله أي إيجابية أيضاً.
على خط آخر زار فرنسا أيضاً موفداً من فرنجية الوزير السابق ريمون عريجي والذي التقى المستشار الديبلوماسي للرئيس ماكرون إيمانويل بون والذي كان ولا يزال على دراية كبيرة بالملف اللبناني. كما لم تنقطع زيارات بعض النواب والمستشارين البعيدة عن الإعلام إلى فرنسا وبعض عواصم القرار من أجل استمزاج آرائها في الاستحقاق الرئاسي.
وتؤكد مصادر فرنسية رفيعة متابعة لموقع “هنا لبنان” أن فرنسا تتابع عن كثب ما يجري لا سيما على صعيد الاستحقاق الرئاسي ويهمها تحقيق تقدم قبل نهاية العام ولا تتدخل في عملية الأسماء بل تسعى إلى أن يكون للبنان رئيس قادر على إنقاذه بالتعاون مع السلطتين التشريعية والتنفيذية. وأشارت المصادر إلى أن ما يتم تداوله حول تدخل فرنسا والمبادرات التي تطلق من هنا وهناك يبقى ضمن إطار ما يختلقه بعض الإعلام اللبناني ليس إلا.
وأكدت المصادر الفرنسية إلى أن الاتصال الأخير بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يتطرق إلى الملف اللبناني لا سيما الملف الرئاسي ولو حصل ذلك لكانت تمت ترجمته في لقاء جمعهما في قمة العشرين في بالي والذي لم يحصل، لكن ماكرون عاد والتقى بن سلمان على هامش قمة بلدان آسيا وجزر المحيط الهادئ، وفق ما أفادت الإليزيه. وبحث الجانبان الحرب في أوكرانيا والوضع في لبنان لجهة تعزيز تعاونهما لتلبية الحاجات الإنسانية لنهوض لبنان ومساعدة شعبه. وتؤكد المصادر الفرنسية أن ماكرون يعمل على إقناع السعودية بضرورة العودة إلى الساحة اللبنانية والمساهمة في التسوية الرئاسية إقليمياً. لكن القنوات المفتوحة بين الجانبين لم تتعد حدود المشاورات الصعبة أت تسلك طريقها إلى التطبيق في وقت قريب، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن التسوية الإقليمية التي سيكون لبنان من ضمنها لم تنضج بعد.
وفي وقت يعتبر البعض أن فرنسا هي مفتاح الحل خارجياً فإن الدور الأكبر داخلياً يبقى لحزب الله الذي تشير مصادره لموقعنا أن جبران باسيل لم يعد الخيار الأول لدى الحزب فيما يخص موقع الرئاسة الأولى مع الحفاظ على العلاقة الجيدة معه، فيما يتقدم اسم سليمان فرنجية عليه ولو لم يسمِّه علناً بعد، مشيرة إلى أن فرنجية قدم تنازلات كبيرة سابقاً ووقف على خاطر الحزب أكثر من مرة وربما يكون قد حان الوقت لنيل جائزة ترضية على هذه التضحيات، وأبرزها عندما تنازل عن موقع الرئاسة لصالح الرئيس ميشال عون. وترى المصادر أن فرنجية اليوم يتقدم بطريقة هادئة عبر كسب نقاط إضافية رئاسياً.
أما على المقلب المسيحي فأشارت مصادر سياسية إلى أنه لا بد للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن يتمتع بالدور الأكبر من أجل الإتيان برئيس مسيحي يحظى بتوافق الجميع في ظل تدخل الآخرين، بعد أن بدأت تظهر جلياً مخاوف من قبل دوائر الفاتيكان من تراجع الحضور المسيحي في ضوء التقارير الكثيرة التي تصلها حول الهجرة المسيحية المرتفعة من لبنان. فيما لا يوفر البابا فرنسيس مناسبة إلا ويتحدث فيها عن لبنان لا سيما خلال لقائه الأخير مع الرئيس الفرنسي.
هذا التخوف أيضاً ينعكس على الواقع الأمني في البلاد فبعد كلام وزير الداخلية بسام مولوي عن خلايا إرهابية تتحضر لأعمال أمنية في لبنان، تشير مصادر مطلعة إلى أن هناك تخوف من حصول اضطرابات في الشارع والتي لم تحصل بسبب انقطاع الكهرباء والواقع المالي الصعب بل قد تحصل على خلفية فتح ملفات الفساد والتي بدأت بمصلحة تسجيل السيارات النافعة وتوقيف عدد من الأشخاص واكأبرزهم السيدة هدى سلوم، إضافة إلى فتح ملفات في الدوائر العقارية مما قد يمتد ليطال مسؤولين كبار في ملفات أخرى في حال أزيل الغطاء، وسيتسبب بفلتان لمناصري هؤلاء احتجاجاً في حال توجيه أصابع الاتهام نحوهم.
هذه السيناريوهات المتعددة سياسياً وأمنياً قد تغير المعادلة رئاسياً بحسب المصادر مما يفتح الباب على تقدم اسم قائد الجيش جوزيف عون للرئاسة. وبإنتظار كل ما تقدم يبقى الشعب اللبناني الخاسر الأكبر والذي ينتظر بقعة ضوء تنتشله من ظلمته الكهربائية أولاً والاقتصادية والصحية والاجتماعية ثانياً.