قانون الشراء العام: هل يُنهي صفقات “التراضي” وفساد المناقصات؟
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان”:
لم يكن يوجد في تشريعاتنا اللّبنانية أي قانون واضح الصيغة يُعنى بالمناقصات أو بالأحرى عقد الصفقات العمومية إنما كان يقتصر الأمر إن صحَّ التعبير على إسناد مجموعة قواعد متفرقة مبعثرة قديمة لا تلبي الحال كبعض نصوص ومواد قانون المحاسبة العمومية ونظام المناقصات العمومية، وغيرها من النصوص الخاصة ببعض المرافق والمؤسسات العامة والمجالس والمصالح والهيئات وقانون البلديات، وهذه الأحكام كبحت مجال المنافسة، ولم تراعِ احترام معايير النزاهة والشفافية وبعيدة كل البعد عن الحوكمة الرشيدة وبالطبع تقف عائقاً أمام التنمية المستدامة.
في العام 2012 أحيل مشروع قانون بموجب مرسوم من مجلس الوزراء لمجلس النواب حمل الرقم 9506 تاريخ 12/12/2012 “مشروع قانون الصفقات العمومية” غير أن الحكومة في 27/3/2018 استردت هذا المشروع من مجلس النواب وطبعاً قبل إقراره.
ولكن ما طرأ بعيد مؤتمر “سيدر” الدولي الذي عقد في باريس في نيسان 2018 وما رشح عنه من إلتزامات من قبل الدولة اللبنانية لقاء الدعم المالي للدول المانحة أبرزها مكافحة الفساد وتحديث الشراء العام وتعزيز الشفافية تعزيزاً لجلب الإستثمارات الخارجية، وبعد حصول ثورة 17 تشرين الأول 2019 والمطالبة بالإصلاحات تم اقتراح هذا القانون (قانون الشراء العام) في شهر شباط من العام 2020 إلا أن إقراره أخذ سنة ونصف السنة، ففي 30 حزيران 2021 جرى التصويت على قانون الشراء العام في الهيئة العامة لمجلس النواب ليدخل حيز التنفيذ في 29 تموز 2022.
عملياً مرت ثلاثة أشهر على دخول قانون الشراء العام حيز التنفيذ، فهل يتصدى لجميع الثغرات التي ساعدت على وجود الفساد وينهي صفقات “التراضي” وفوضى المناقصات؟
المحامي زياد فرام، يقول لـ “هنا لبنان”: “قانون الشراء العام جاء متوافقاً مع المعايير الدولية لرفع مستوى الثقة واستقطاب الإستثمارات والتمويلات اللازمة للتنمية، وتحديده كما جاء ينعكس إيجاباً على نوعية الخدمات للمواطنين ويؤدي إلى تخطيط أفضل للإنفاق العام وتحقيق النهوض والوفر في الإنفاق وإشراك القطاع الخاص بأوسع مشاركة”.
ويرتكز القانون بحسب فرام على مبادئ عدة غير قابلة للتعديل هي: “تطبيق الإجراءات التنافسية كقاعدة عامة، إتاحة فرص متكافئة دون تمييز للمشاركة في الشراء العام، توفير معاملة عادلة ومتساوية وشفافة ومسؤولة لجميع العارضين والملتزمين، علنية الإجراءات ونزاهتها ومهنيتها بشكل يفعّل الرقابة والـمحاسبة، تشجيع التنمية الاقتصادية المحلية والعمالة الوطنيّة والإنتاج الوطني على أساس القيمة الفضلى من إنفاق المال العام دون الإخلال بالفعالية، وبالمقابل فإن عمليات الشراء تخضع بحسب القانون لقواعد الحوكمة الرشيدة وتأخذ بالاعتبار مقتضيات التنمية المستدامة”.
ويلفت فرام إلى أن “الطرق القديمة للشراء العام كانت تقتصر على المناقصة العمومية، المناقصة المحصورة، إستدراج العروض، الإتفاق الرضائي أو ما يسمى الإتفاق بالتراضي كما الشراء بالفاتورة، إلا أنّ القانون الجديد أبقى على بعض طرق الشراء التقليدية واستحدث طرقاً أخرى جديدة بمفهومنا القانوني والمالي حيث ألغى المناقصة المحصورة واستدراج العروض وابتكر أربع طرق جديدة”.
وعن الجهات الشارية التي تخضع لصلاحيات الهيئة يوضح: “الدولة وإداراتها، ومؤسساتها العامة، والهيئات الإدارية المستقلة، والمحاكم التي لديها موازنات خاصة بها، والهيئات، والمجالس، والصناديق، والبلديات واتحاداتها، والأجهزة الأمنية والعسكرية (والمؤسسات والإدارات والوحدات التابعة لها)، والبعثات الدبلوماسية في الخارج، والهيئات الناظمة، والشركات التي تملك فيها الدولة وتعمل في بيئة احتكارية، والمرافق العامة التي تديرها شركات خاصة لصالح الدولة، وأي شخص من أشخاص القانون العام ينفق مالًا عاماً، ومصرف لبنان فيما خص مشترياته باستثناء طباعة وإصدار النقد وتحويلاته”.
ويشرح فرام أهمية قانون الشراء العام بالنسبة لمبادئه في الثقة بالإقتصاد الوطني ككل وتطوير الإدارة العامة، مؤكداً على شموليته لجميع الجهات المركزية والمحلية بمختلف مشترياتها وأشغالها العمومية وتنفيذه وتوريدها للمستلزمات وتقديمها للخدمات حتى الإستشارية، منها سواء كانت من جهات مانحة أو أموال الموازنة العمومية أو قروض أو هبات غير مشروطة يعطي هذا القانون صفة قانون إعادة الثقة وتحفيز الثقة بالإدارة العامة.
بالإضافة إلى أن القانون يشجع على التخطيط في مسار إعداد الموازنة وتصميم عملية الشراء والتخطيط لها على أفضل المستويات كما خلق إطاراً جديداً لدمج وإدراج موازنات الجهات الشارية ضمن الموازنة العمومية وهذا ما يرشِّد عملية الإنفاق”.
ويتابع: “لقد أنشأ القانون أيضاً آليات رقابية واضحة للمساءلة، من ضمنها إنشاء هيئة ناظمة ووضع إطار للشكاوى والإعتراضات ما يفعل مستوى الشفافية، كما أعطى تعريفاً واضحاً للنزاهة، وأرسى مبدأ الشفافية حيث سمح بالوصول إلى المعلومات والبيانات ونشرها إلزامياً وتلقائياً لكافة الجهات المعنية على المنصة الإلكترونية المركزية”.
إذاً، من خلال تطبيق هذا القانون يمكننا إستعادة الثقة في الإقتصاد اللبناني وتحويل إنفاق الدولة إلى إنفاق يخدم الإقتصاد بدل أن يكون عبئاً عليه، ولكن هذا أوّل الغيث…فلا يؤخذ شتاءٌ من مطر أيلول”.
من جهته، يقيّم مدير عام إدارة المناقصات جان العلية هذا القانون بعد ثلاث أشهر على دخوله حيّز التنفيذ، وينوّه بنسبة الامتثال له وبتجاوب مصرف لبنان وشركتي الخليوي وتعاونهم مع هيئة الشراء العام من خلال وضع معلوماتهم بتصرفها”.
ويلفت إلى أن “هذا القانون بمثابة أداة تساعد على كشف الحقائق معتبراً أن عهد العتمة قد ولى، وكل مناقصة يتمّ إعدادها يجب نشرها عبر الموقع الإلكتروني لهيئة الشراء العام، كي يتمكن المواطنون من معرفة كيفية تلزيمها، من ربح المشروع، كم بلغت كلفته، هل هو حقيقي، وغيرها من الأسئلة التي تشغل بال الناس”.
ويشدّد العلية على أن “نجاح هذا القانون ليس متوقفاً عند هيئة الشراء العام فحسب بل يحتاج إلى مؤسسات رقابية تقوم بدورها وإلى مجتمع مدني ومجلس نيابي واعٍ يراقب ويحاسب”.
كما يرى أن عهد الإصلاحات الجدية لا يتم فقط بتشريع القوانين، فالقوانين القديمة ليست عاطلة بل ينقصها التحديث وهو ما يحصل اليوم بدعم المجتمع الدولي، إلا أنّ الاصلاح الحقيقي لن يبدأ طالما بقي في الإدارة والقضاء أزلام وأتباع لجهات سياسية معينة، مؤكداً على أنه سيعمل بالصلاحيّات الممنوحة له بصفته رئيس هيئة الشراء العام، من أجل ضبط حركة الإنفاق العام، خدمةً لمصالح الشعب اللبناني وحمايته من المخالفات التي أدت إلى إفلاسه”.
ويختم العلية”: “اليوم بدأنا مرحلة العمل بشفافيّة، إنه قانون يسمح للجميع أن يعرف أين وكيف يذهب الإنفاق العام، ولنجعل كلّ الوزارات والإدارات والمجالس تعتمد السبل القانونية، المرحلة المقبلة مليئة بالتحديات، وهناك الكثير من الإجراءات الإصلاحية الضرورية التي توجب العمل بشكل منسق بين كافة الجهات المعنية”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ | قائد الجيش “رجل المرحلة”.. التمديد أو الإطاحة بالـ1701! |