تصنيف لبنان في براءات الإختراع: ضحية جديدة من مسلسل ضحايا الإهمال والأزمات المتفاقمة
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
الإبتكار والإختراع هو إنجاز لا يتمتع به عامة الناس، بل عدد قليل من عشرات ومئات الباحثين في كل بلد، فالله يمنح هذه السمة والميزات التي تحملها، لباحثين وصلوا إلى درجة متقدمة من العلم والبحث في مجال معين، لكن وفيما يقوم المستثمر في العديد من الدول الغربية بدون تردد بشراء الإختراع من صاحبه، أو من الشركة التي يعمل فيها هذا المبتكر أو المخترع، من دون الإعتماد على السلطات الحكومية، فإن الإهمال الرسمي في لبنان هو أبرز سلاح ترفعه الدولة في وجه كل مخترع طموح، يسعى إلى الرقي بإختراعه إلى العالمية، والأدلة كثيرة وفي معظم المناطق اللبنانية.
ولم يكن شعب بلد الأرز بحاجة إلى معرفة ما حمله آخر تقرير صادر عن “مؤشر الويبو العالمي” للعام 2022 ليتعرف على الإهمال الحاصل حيال براءات الإختراع، فالنتيجة أظهرت غياب الإكتراث الرسمي لتحفيز الشباب اللبناني على السير قدما في عالم الإختراع، إذ ليس هناك تأمين رسمي للمواد، والإحتياجات المطلوبة واللوجستية، ولا مختبرات علمية متطورة، ولا جهات داعمة، ولا مستثمرين…
من هنا ليس غريباً حلول لبنان في المركز ما قبل الأخير في ترتيب الدول العربية قبل الجزائر، فيما إحتلت السعودية المركز الأول بـ 776 براءة إختراع وبنسبة 88 % من إجمالي هذه البراءات، تليها الإمارات بـ 59 وقطر بـ 22، تليها الكويت بـ 7، ومصر بـ 5، والمغرب بـ 5، ثم لبنان بـ 3، وأخيراً الجزائر بـ 1.
وهكذا سيطرت الدول العربية الخليجية على مراكز الصدارة، وفق ما ورد في تقرير مفصل لمكتب الولايات المتحدة لبراءات الإختراع والعلامات التجارية USPTO، عن ترتيب الدول العربية لبراءات الإختراع المسجلة خلال عام 2022.
وفي هذا السياق يعلق الخبير القانوني في المفوضية الأوروبية الدكتور محي الدين الشحيمي في حديث لـ “هنا لبنان” عن الواقع وأسباب الدرك المتدني الذي وصل إليه عالم براءات الإختراع في لبنان “لقد أثرت الأزمة المعاصرة، والتي تعصف بلبنان منذ أكثر من ثلاث سنوات على نوعية التعليم والمستقبل الطلابي والعمل البحثي غير المدعوم بالأساس، وبالتالي تأخرت بلاد الأرز على مستوى الدولة والقطاع العام، عن المسار العالمي لناحية الإبتكار والإبداع”، لافتاً إلى أن لبنان يُضيع الفرص، وكان عليه أن يشرع في تطبيق مسودة الإصلاح، والتي يعيد تمحور قطاع التعليم المنتج حول الطالب فقط، ويكون هو الأولوية، بغية الإرتقاء بجودة التعليم العادل بشكل متساوٍ تطبيقاً لسياسة الإنماء المتوازن وفق تعبيره.
وعلى الرغم من أن عدد من المخترعين اللبنانيين وفي عدة مجالات أعلنوا جهاراً رفضهم لعقود عمل مع أكثر من جهة خارجية، وتفضيلهم البقاء في لبنان، كي يستفيد بلدهم الأم من إختراعاتهم، إلا أن هذا الموقف لم يشفع لهم أمام التحديات التي يواجهونها اليوم.
ومن بين أبرز الأسباب الكامنة وراء إحتلال لبنان هذا المركز المتأخر، يوضح الشحيمي أن هناك عدم تناسب بين المهارات المتوفرة وبين إحتياجات سوق العمل، وهو إنعكاس طبيعي للمأزق اللبناني بحيث أُحبط الطلاب، ومعهم المؤسسات التربوية والجامعية، وتوقفوا عن استكمال مسيرتهم، بفعل الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية، وجائحة كورونا وأخيراً تفشي الكوليرا في لبنان، إضافة إلى الإنهيار التاريخي في قيمة الليرة أمام الدولار، كل هذه العوامل ساهمت بتفريغ الموارد البشرية المتخصصة، والتي وجدت في الهجرة أفضل خيار، وحتى الطلاب وخاصة الطلاب المتفوقين والذين يعول عليهم في عملية الإستنهاض.
ويختم الشحيمي بأن هذا الواقع المرير ساهم بتهميش إضافي للبنان في ميدان الإبتكار والإبداع وثبات البحث العلمي، نظراً لعدم وجود الداعم والممول والحافظ حتى، مع عدم وجود المستثمر لتحويل النظريات والإكتشافات إلى واقع عملي ملموس، يُحدث أثراً إيجابياً في المجتمع، مشدداً على أهمية المباشرة بورشة الإصلاح التربوية والسياسات التربوية على المدى القصير والمتوسط وحتى الطويل، فالتعثر أغلق العديد من المدارس، والأزمة مهدت للتسرب الطلابي أيضاً، وهذا سيؤدي إلى مزيد من التراجع في مستوى العلم، وكأنها سنوات تربوية ضائعة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |