الصين في السعودية!
كتب راشد فايد لـ”هنا لبنان”:
بقدر ما تحرك القمم الثلاث، نهاية الأسبوع، في الرياض، بين الصين، من جهة، والسعودية من جهة ثانية، ودول مجلس التعاون الخليجي، من جهة ثالثة، ودول المجموعة العربية من جهة أخرى، إشارات إلى تداعي زمن القطب الأوحد على المسرح الدولي، فإن الوقائع تفيد بأن الصين لن تكون بديلاً من الولايات المتحدة، التي كانت، ولا تزال، حليفاً إستراتيجياً موثوقاً به بالنسبة إلى الدول الخليجية، تحديداً، والعربية عموماً.
في المقابل، يعكس اهتمام الرياض باستقبال القمم الثلاث حرصها على نقل المنطقة العربية إلى مصاف متقدم وفاعل، داخل بلدانها وبين دول العالم، بحيث أن أي شيء لن يبيعه الأميركيون، سيحاول السعوديون الوصول إليه في مكان آخر، من دون أن يعني ذلك خلافاً، أو عداوة، خصوصاً في المجال المعرفي والتكنولوجي، وهو نهج أدى إلى ارتقاء العلاقات السعودية مع دول، كالهند واليابان وكوريا الجنوبية. فدول مجلس التعاون باتت أكثر ثقة، وقدرة على السعي إلى تحقيق مصالحها الخاصة، حتى عندما ينكفئ عنها شركاؤها الغربيون.
قد يلمّح البعض إلى أن إنعقاد القمم يؤشر إلى غمز مبطن وغير مباشر لسلوك الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خصوصاً وأن هذه القمم العربية الصينية تتزامن مع زيارة الزعيم الصيني شي جين بينغ للسعودية، وفي وقت حساس بشكل خاص للعلاقات الأمريكية – السعودية. فالعلاقات بين الرياض وواشنطن في الوقت الحالي عند درجة متدنية، وقد جرى الحديث كثيراً عن “الاستقبال المتحفظ”، الذي لقيه الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما زار السعودية في تموز الماضي.
يزيد من تنوع التحليلات المواكبة للقمم أن عدد المشاركين فيها أكثر من 30 قائد دولة ومنظمة دولية، وتوقع فيها اتفاقيات بقيمة 29 مليار دولار.
تأتي هذه الزيارة في ظل تطورات شهدتها الساحة الدولية، بدءاً من الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، مروراً بالحرب في أوكرانيا وانتهاء بالتوترات الصينية الأميركية، في ظل سعي الأخيرة لاحتواء الصين بوصفها العدو الإستراتيجي للولايات المتحدة وفقاً لإستراتيجية الأمن القومي الأميركي التي أقرت أخيراً.
لم يحل ذلك دون علاقة اقتصادية قوية للغاية مع الصين، وكان من المفترض أن يأتي شي جين بينغ في وقت أبكر، لكن تم إلغاء الزيارة عدة مرات بسبب العديد من عمليات الإغلاق التي حدثت في الصين بسبب جائحة كورونا، من بين أمور أخرى، فكان أن زيارته السعودية هي الأولى إلى خارج بلاده بعد إعادة انتخابه رئيساً. وهذه الزيارة التي يقوم بها الزعيم الصيني للمنطقة لا ينبغي أن تكون مفاجئة لأن الإعداد لها بدأ عند زيارة وزراء خارجية كل من السعودية والبحرين والكويت وسلطنة عمان لبكين في بداية هذا العام، والعلاقات الاقتصادية بين الصين والدول العربية تنمو منذ سنوات.
قد تكون الصين الشريك التجاري الأكبر للسعوديين، لكن تجارة الأسلحة السعودية مع الصينيين بلغ مجموعها 245 مليون دولار فقط بين عامي 2013 و 2021. وفي الوقت نفسه، بلغت تجارة الأسلحة بين السعوديين والولايات المتحدة في الفترة نفسها 17.9 مليار دولار. لكن ليس هذا همّ القمم، بل الأمر أبعد من ذلك، فالقمة السعودية – الصينية ليست بعيدة عن خطة 20-30 التي يحملها ولي العهد السعودي، وتقود طموحاته لمستقبل المملكة، بينما ما يسعى إليه الرئيس الصيني، إلى جانب الحصول على عقود في مجال الطاقة طويل الأمد، والفوز بمشاريع البنية التحتية، تحسين سمعة المنتجات الصينية، وتأسيس شراكات إنتاجية، إلى جانب مشاريع تعليمية وثقافية، وإلى جانب ذلك، وغيره، لعب دور سياسي إيجابي في أزمات المنطقة من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلى الحرب في اليمن، وإنهاء الصراع في سوريا.
أبرز ما تحمله القمم الثلاث أن اختلاف الأنظمة لا يعني اجتناب التعاون بين دولها، وهذا جديد السعودية في 20-30.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |