قرارات الجلسة الأخيرة لحكومة ميقاتي في مهب الطعن: لمن صلاحية توقيع المراسيم؟
كتبت ريمان ضو لـ”هنا لبنان”:
تنص الفقرة الثانية من المادة 56 من الدستور، على أن رئيس الجمهورية هو من يوقع المراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء وله الحق بإعادة النظر بها ضمن مهلة 15 يوماً من تاريخ إيداع المراسيم رئاسة الجمهورية.
أما في حالة الشغور الرئاسي وبعد الجلسة الأخيرة التي عقدت في السراي الحكومي بنصاب الثلثين عاد النقاش حول صلاحية توقيع المراسيم إلى الواجهة، فكثرت الاجتهادات الدستورية حول ما إن كان سينجح رئيس الحكومة في إصدار المراسيم مُكتفياً بتوقيعه وتوقيع الوزير المختص ووزير المال. فبعض ما تقرر يحتاج إلى توقيع وزراء غابوا عن الجلسة كالقرارات الخاصة بالعسكريين في الخدمة الفعلية أو المتقاعدين التي تحتاج إلى توقيع وزير الدفاع العميد موريس سليم.
في الشكل، الدستور لم يحدد صراحة من يوقع مراسيم مجلس الوزراء في حال الشغور الرئاسي، ولمن تناط صلاحيات رئيس الجمهورية. وفي غياب النص وعدم تحديد الآليات، يتم عادة اعتماد العرف أو التطبيق على قاعدة موازية.
وبالعودة إلى السياق التاريخي، أصدر مجلس القضايا في مجلس شورى الدولة في 9 / 12/ 1996 قرارين حملا رقم 74/95 و96/164 أشار فيهما إلى أن المراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء في حالة الشغور الرئاسي يوقعها رئيس الحكومة والوزير المعني ولا داعي لتوقيع المراسيم من كل الوزراء.
وبحسب خبراء دستوريين، فإن قرار مجلس الشورى آنذاك استند إلى ما حصل خلال الحكومة العسكرية للعماد ميشال عون عام 1989، إذ حينها وقع الوزراء الثلاثة المسيحيون، بعد استقالة الوزراء المسلمين، على كل القرارات الحكومية. دون أن يراعي قرار الشورى أن اتفاق الطائف والتعديلات التي أقرت، حوّلت مجلس الوزراء إلى مؤسسة لها ضوابط ونصاب، وآلية اتخاذ للقرارات تختلف عن الحال التي كانت عليها قبل اتفاق الطائف.
الخبير الدستوري الدكتور عصام اسماعيل يشير في حديث لموقع “هنا لبنان” إلى أنه خلال حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي استقال منها الوزراء الشيعة والوزير يعقوب الصراف، كان الوزراء السبعة عشر يوقعون على قرارات الحكومة.
كما أنه وخلال حكومة الرئيس تمام سلام، جرى اعتماد آلية توقيع جميع الوزراء أو توقيع وزير عن كل مكوّن من الحكومة.
ويذكر اسماعيل بالقرار الصادر عن مجلس شورى الدولة في 30/ 11/ 2015 الذي كان ضبابياً، كما يصفه، وألمح إلى توقيع الثلثين من وزراء الحكومة.
حينها قدم اعتراضاً على مرسوم صادر عن مجلس الوزراء حول بند قبول هبة لصالح وزارة الثقافة لتشجيع حماية المناظر والمواقع الطبيعية والأبنية القديمة في لبنان.
وجاء في قرار مجلس شورى الدولة الذي حصل عليه موقع “هنا لبنان” أنه جرى الاستناد إلى المادة /62/ المعدلة من الدستور، التي تنص على أنه في حال خلو سدة رئاسة الجمهورية، فإن مجلس الوزراء يصبح بمثابة حكومةٍ إنتقالية تشغل سدة الرئاسة بالوكالة ريثما يتم انتخاب رئيسٍ جديد للبلاد، أي أنه يتولى ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية بالإضافة إلى الصلاحيات المنوطة به كسلطةٍ إجرائية، عملاً بأحكام المادة /17/ المعدَّلة من الدستور والتي تنص على أن “تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء. وهو يتولاها وفقاً لأحكام هذا الدستور.”
وأشار قرار الشورى إلى “تذرع الجهة المستدعية بأن مشروع المرسوم عُرض على مجلس الوزراء بصفته مرجع إصدار المرسوم وليس بصفته مرجع تقرير في موضوعات هذا المرسوم، لا يستقيم واقعاً وقانوناً، لثبوت اقتران المرسوم بموافقة مجلس الوزراء بوصفه الهيئة التي يعود لها القرار في موضوع قبول الهبة.
وبما أنه من نحوٍ ثانٍ، لا يمكن الأخذ بما أُدلي به بالنسبة لمخالفة المرسوم المطعون فيه أحكام المادة /54/ من الدستور كونه لا يحمل توقيع الوزراء المختصين بصورةٍ منفردة ولا سيما وزير المالية، وكونه ليس مبنياً على اقتراحهم، لأنه يتبين من المرسوم المذكور أنه يحمل توقيعَي وزيرَي الثقافة والمالية، إلى جانب تواقيع الوزراء الإثنين والعشرين الذين يتألف منهم مجلس الوزراء. هذا فضلاً عن أن المرسوم صدرَ بناءً على اقتراح وزير الثقافة كونه الوزير المعني بموضوع الهبة. علماً بأنه لا يوجد أي نص قانوني يوجب صدور المرسوم المشار إليه بناءً على اقتراح وزير المالية.”
أما تلويح النائب جبران باسيل باللجوء إلى مجلس شورى الدولة لإبطال القرارات الصادرة عن الجلسة الأخيرة، فيحتاج أيضاً إلى مسار قانوني، فمن يحق له الطعن هو الأقرب إلى المصلحة أو من يعتبر نفسه متضرراً مباشراً من هذه القرارات. وفي هذه الحالة يعتبر الوزراء الذين تغيبوا عن الجلسة هم أصحاب الصفة والمصلحة ويمكنهم تقديم المراجعة للطعن أمام مجلس شورى الدولة، بالقرارات الصادرة في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة.
وعلى مجلس الشورى أن يرى إذا كانت حكومة تصريف الأعمال لديها الصلاحية باتخاذ هذه القرارات، فإذا رأى أنها صاحبة الصلاحية يسقط الاعتراض، أما إذا قبل مجلس الشورى المراجعة فيبطل القرارات المطعون فيها وتصبح غير فاعلة.
ويشير إسماعيل إلى أن رأي مجلس الشورى يمكن أن يكون مغايراً للرأي السابق، إذ أن القضاة ينطلقون من مراعاة الواقع الاجتماعي والسياسي العام، ويتم اتخاذ المصلحة العامة والمقتضيات الوطنية في عين الإعتبار.
إذاً، في لبنان، حتى الدستور بات وجهة نظر، واختلفت الآراء باختلاف التوجهات السياسية، إلا أن الأكيد أن صحة اللبنانيين ومعيشتهم أولوية يفترض على المعنيين، حكومة ومجلساً نيابياً، مراعاتها واعتبارها أولية فوق كل الشبهات.
مواضيع مماثلة للكاتب:
المحكمة العسكرية ضحية “الكيدية” | مسؤولون لبنانيون للوفود الديبلوماسية: الأولوية للترسيم البري بدل الالتهاء بالقرار 1701 | أونصات مزورة في السوق اللبناني… والقضاء يتحرك |