المؤسسات الاجتماعيّة ترفع ناقوس خطر زوالها… والدولة غائبة!
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
تغيب الدولة في لبنان، الفقر بحالة ازديادٍ وأصبحت الأعباء أكبر من قدرة الفرد على التحمّل، لذا يلجأ الأفراد إلى الجهات الخاصة لطلب المساعدة. وها هي المؤسسات الإجتماعيّة والجمعيات المحليّة تَسعى لتقديم يد العون لهم رغم أوضاعها الإقتصاديّة المُتردّية؛ فالحاجة فاقت قدرة تلك المؤسسات نفسها على تقديم هذا القدر من المساعدات. فأين يَكمن دور الدولة لتحسين أوضاع هذه المؤسسات والجمعيات، وما مصير هذه المؤسسات؟
للإحاطة بمعلومات إضافيّة حول هذا الموضوع، أشار الباحث في مجال التنمية الإداريّة رائد عبد الخالق لـ “هنا لبنان” إلى أنّه قبل الأزمة كانت المؤسسات الإجتماعيّة والجمعيات تتلقى مساعدات خارجيّة، بينما بعد الأزمة ولغاية اليوم تحوّر مسار هذه المساعدات وأصبح بغالبيّته للأفراد مباشرةً. فبدل التبرّع للجمعيّة يقوم المُغترب بمساعدة مجتمعه الضيّق وعائلته بسبب الحاجة الكُبرى.
بحسب عبد الخالق، الطرح الذي طرحه شخصياً منذ عامين، عبر المشروع الوطني الإنمائي تطرّق إلى موضوع الجمعيات أو المؤسسات أو أي هيئة إنمائية تعمل عملاً خيرياً، والّتي يتوجّب عليها أن تنتقل تدريجياً إلى عمل مؤسساتي منظّم ومُنتج؛ فالغياب الفكريّ لبعض المؤسسات الاجتماعيّة يزيد من أعبائها، يضعف دورها الإنمائيّ وبالتالي تلجأ إلى الإقفال؛ ومن جهة أخرى هناك مؤسسات ليس لديها قدرة لتحمّل الأعباء وتغطية إنتاجيّة أو فكر إنتاجيّ.
لذا علينا وضع خطّة لبنانيّة مُتكاملة في ظلّ غياب مؤسسات رعائية وتنظيمات مدنيّة مُنتجة. فبدل أن تكون الأموال للمساعدات المُباشرة، عليها أن تموّل مشاريع مُنتجة.
موضحاً، الجمعيات والمؤسسات عليها أن تخدم المُجتمع من خلال التخطيط وترشيد إنفاق جميع الأموال الّتي تحصل عليها، لتأمين الاستدامة بمساعدة المواطن في ظلّ غياب الدعم والدولة. هذا الغياب لبرنامج الرعاية الشامل في ظلّ ضعف صندوق الضمان الاجتماعي وعدم إقرار ضمان الشيخوخة، وعدم سعي الحكومة لتأمين ظروف أفضل للشعب.
ومن وجهة نظره كباحث، أي عمل لا يكون لديه الرؤية والتخطيط ودراسة للميزانية ودراسات حول مستقبله وتحقيقه أهدافه لن يستطيع الإستمرار. فالرسالة الإجتماعيّة عليها أن تقترن بالخطط المنطقية والسليمة. واليوم نشهد خللاً في المؤسسات على صعيد التمويل المحلّي، فعجز الدولة عن دفع مُستحقّاتها يترافق مع انهيار العملة الوطنية وتفاوت سعر الصرف، بينما مصاريف المؤسسات بالدولار الأميركيّ؛ وهذا يعود لغياب الرؤية والتخطيط الحكومي الّذي يجب أن يحاكي الحاجة لإعادة لملمة النزيف.
من جهتها اعتبرت رئيسة ومدير عام مؤسسة “سيزوبيل” السيّدة فاديا صافي، بعد ارتفاع تكلفة المعيشة والدولار بشكل تصاعدي، اضطرت المؤسسة خلال الأزمة إلى خفض تكاليف التشغيل قدر الإمكان. فعدد أيام استقبال الأطفال والشباب أصبح ثلاثة أيام في الأسبوع مع الاحتفاظ بالتعلّم عن بعد لمدة يومين. ناهيك عن مشكلة المحروقات التي تؤثّر سلباً.
وأكّدت صافي، أنّه تمّ تخفيض رواتب الموظفين الدائمين وتكاليف التشغيل بنسبة 55%، هذه التدابير وسواها نتيجة عدم إيفاء الدولة وتحديداً وزارة الشؤون الإجتماعية بالتزاماتها؛ فلم يتم إستلام أي تحويلات منذ نهاية عام 2020.
وأردفت، “تحاول وزارة الصحة التي تغطّي الأطفال الذين لا يتمتّعون بضمان إجتماعيّ إعادة درس المبالغ المخصّصة لعلاجهم، لكنها تبقى القيمة أقلّ بكثير من التكاليف الفعلية للعلاج”.
أمّا بالنسبة إلى التبرعات فتلك التي كانت تَرِد من لبنان تراجعت بشكلٍ ملحوظً. وقد تمّ إيقاف نشاطات التمويل الذاتي لأكثر من ثلاث سنوات كما إنخفض بيع مُنتجات “سيزوبيل” بحوالي 70٪. أمّا في الوقت الحالي، يتم الإحتفاظ فقط بمساعدات أصدقاء المؤسسة في الإغتراب والمؤسسات الأجنبية الصديقة.
خاتمةً، وتمكّنت “سيزوبيل” لغاية اليوم من مواجهة الصعوبات لكن لا تعرف ما الذي ينتظرها في السنوات القادمة؛ بالوقت الّذي تُقيّم فيه حضارة الدولة حسب إهتمامها ودعمها للأفراد والمؤسسات الأكثر حرمانًا، تَغيب عن لبنان هذه الميزة.
في لبنان مشاكل الشعب مرتبطة باهتراء الدولة وفسادها، وتخفيف حدّة الأزمة مرتبط بإرادة الدولة تحمّل مسؤوليتها. وبين الإرادة الغائبة والمُغيّبة ها هي المؤسسات الإجتماعيّة ترفع ناقوس خطر زوالها! لا جهة تستطيع تقديم الرعاية التي تقدّمها الدولة.