الحقائق الثمانية عن العاقبية: العقاب والعاقبة
كتب جان الفغالي لـ “هنا لبنان”:
في عِلم الجريمة المنظمة، من تفجير واغتيال، يضع المجرم أو الطرف الذي يقوم بالتفجير أو بعملية الاغتيال خطة متكاملة وسيناريو مترابطاً ومتماسِكاً، يبدأ بتحديد الهدف ثم يهيئ الأجواء السياسية والإعلامية ويتتبع تفاصيل الجريمة وصولًا إلى ضخ التفسيرات السياسية والإعلامية لِما جرى، إلى درجة يُخيَّل معها للمتابع أن التحضير للعملية وتنفيذها والتفسيرات التي تعطى لها، هو “التحقيق الأولي”، والجريمة تأتي متكاملة على شكل package.
في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وُضِع السيناريو على طريقة الـ package:
حملة إعلامية وسياسية شعواء سبقت التفجير.
التفجير ثم توجيه أصابع الاتهام إلى “الانتحاري” أبو عدس.
الحديث عن “مجموعة الـ 13” التي غادرت إلى أستراليا والتي تبين من فحص المقاعد التي جلس عليها أعضاء المجموعة، أنها حملت بصمات مواد منفجرة!
في جريمة اغتيال الصحافي سمير قصير، بُثَّت “معلومات” مباشرة بعد الجريمة على أنها “شخصية” وأن شخصًا كان معه في السيارة، وغادر قبل وقوع الانفجار.
في جريمة اغتيال الوزير بيار الجميل، مَن يتذكَّر “المعلومات” عن أن سيارة الجناة عُثِر عليها في سوريا؟
في جريمة اغتيال الوزير إيلي حبيقة، تمت تهيئة الأجواء أن محكمة بلجيكية استدعته للإدلاء بشهادته في مجزرة صبرا وشاتيلا، وأنه كان يخشى أن يوجِّه أصابع الإتهام إلى إسرائيل وتحديدًا إلى وزير دفاعها آنذاك آرييل شارون، فاغتيل قبل التوجه إلى بلجيكا، وشهيرة واقعة أن أحد المحققين البارزين وصل إلى مسرح الجريمة بعد أقل من ساعة على وقوع الانفجار، فعاين المكان وقال عبارته الشهيرة:
“هيدي إسرائيل، اشطفوا( نظفوا ) الأرض من الدم”.
جريمة قتل المصور جو بجاني، فبعد أقل من ساعة على الجريمة، وُزِّعت معلومات عن أنه كان في الجنوب قبل أيام من مقتله، لأخذ التحقيق في اتجاه معيَّن.
عدا جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن سائر الجرائم بقيت ملفاتها فارغة من أي ورقة تحمل معلومات صحيحة، والتعداد لا ينتهي. فهل تكون جريمة قتل الجندي الإيرلندي الاستثناء الذي يكسر القاعدة السائدة؟
هنا لا مزاح، الإيرلنديون يحققون بشكل مستقل، ويتابعون التحقيق اللبناني الذي تجريه مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، ما توصل إليه التحقيق حتى الآن، وبحسب مصادر موثوقة تسنَّى لها الإطلاع على خطوطه العريضة، هو الحائق التالية:
الحقيقة الأولى أن الحادثة استُبِقَت بحملة إعلامية سياسية وبخطب على المنابر تحرض على قوات الطوارئ الدولية.
الحقيقة الثانية أن الحادثة ليست عفوية وبنت ساعتها بل إن الذين قاموا بها تعقَّبوا سيارة الطوارئ واعترضوها، وصولًا إلى العاقبية.
الحقيقة الثالثة أن مَن أطلقوا النار تحددت هويتهما على أنهما من حزب الله، وإن الجهاز المعني بالتحقيق يعرف اسميهما.
الحقيقة الرابعة أن ما تردَّد عن أنهما قريبان من حركة أمل، ليس صحيحًا.
الحقيقة الخامسة، ما يؤكِّد انتماء مطلقَيْ النار إلى حزب الله، أنهما بعد تواريهما اختفيا لدى حزب الله ولم يسلِّما نفسيْهِما، وجاء تسليم أحدهما بعد أسبوع على عملية القتل.
الحقيقة السادسة أن حزب الله أجرى تحقيقه الداخلي مع العنصرَيْن، فلماذا لم يسلِّمهما مباشرةُ بعد الحادثة؟ لماذا وفَّر لهما المظلة الأمنية ليتواريا؟
الحقيقة السابعة أن مسؤولًا رفيعًا في حزب الله حاول التواصل مع قائد اليونيفيل من دون أن ينجح في تأمين الاتصال.
الحقيقة الثامنة أن مسؤولًا في حزب الله وصف مقتل الجندي الإيرلندي بالخطأ الكبير الكبير (وردَّدها مرتين).
من خلال كل ما تقدَّم، يَخشى حزب الله العقاب الذي سيلحق بالعنصرين، ولكن ما يجعله يخشى أكثر هو عاقبة ما حصل خصوصًا على مستوى وجود قوات الطوارئ في جنوب لبنان، فمَن يتحمَّل مضاعفات إعادة خلط الأوراق في جنوب لبنان، في حال انسحبت قوات الطوارئ؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
هل سقطت معادلة “الشعب والجيش و… إيران”؟ | راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة |