“بدي اقتل حالي” و”تعبت إني قاوم”.. حكايا الموت بين مشانق الانهيار!
كتبت نسرين مرعب لـ “هنا لبنان”:
“أفكّر دائماً بالانتحار”، تقولها إحدى الصديقات بعدما سدّت السبل أمامها، تضع هذه الفرضية وتتداولها دون أيّ تردّد، بل وتطرحها في بعض الأوقات عبر صفحاتها على مواقع التواصل.
المبرّرات التي تدفعها إلى هذا القرار عدّة، أبرزها البطالة وعدم قدرتها على تأمين قوتها، يضاف إلى ذلك غياب الحماية الأسرية، فعلاقتها وعائلتها شبه منقطعة، والتواصل محدود.
“إذا متت ما حدا بيهتم”، تؤكد في دردشة جانبية، مضيفة “إن لم يتحسّن الوضع خلال شهرين فسأتخذ حتماً هذه الخطوة”.
هذا الكلام لا يمكن وضعه في إطار التهويل، ففي أرشيفها محاولة انتحار سابقة، ورحلة علاج طويلة بين أدوية الاكتئاب، لتخرج من هذه الفقاعة، غير أنّ الظروف الاقتصادية الصعبة وما يترافق معها من ضغوطات اجتماعية أعادوها إلى سجنها الصغير.
هذه الصديقة ليست “استثناء”، فحالات عدّة تقاوم لأجل الحياة، وتتمسّك بأيّ أمل يحجب عنها شبح الانتحار.
والمؤسف في هذا الواقع، أنّ المسألة ليست فقط مادية، بل بات الوضع العام ثقيلاً، وعدم القدرة على الاستمرارية وخوض المعارك اليومية، بات يدفع نحو السلبية التي تضع المرء أمام خيار مرّ ألا وهو الموت!
إحدى الزميلات، لا مشكلة لها وسوق العمل، هناك نوع من الاستقرار، حياتها الأسرية أيضاً مستقرّة، ولكن رغم ذلك تفتقد الشعور بالأمان، وتشعر دائماً بالاستنزاف.
“تعبت وأنا بركض ليل – نهار لحافظ على ذات مستوى الحياة لعيلتي”، تقول بإنهاك، مضيفة: “ما في أمل، البلد عم يشدنا لورا وليش أساساً بدنا نكمل”.
هي أيضاً، لا تنفك تتحدث عن الموت، تشير إليه وكأنّه الخلاص، وتؤكد أنّ عائلتها هي التي تردعها، وإلّا كانت قد اتخذت هذه الخطوة “ريحت واستراحت”، وفق تعبيرها!
مسألة الانتحار، أو الهروب إلى الموت، لم تعد تفصيلاً، فالحالات التي نسمع بها يومياً مخيفة، وتدعو حكماً إلى الهلع.
أرقام قوى الأمن الصادرة في أيلول العام 2022 أشارت إلى ارتفاع حالات الانتحار بنسبة 7.8%، مع الإشارة إلى أنّ بعض حالات الانتحار يتمّ تسجيلها ضمن خانة الوفاة الطبيعية تبعاً لاعتبارات عائلية واجتماعية، وهذا إن كان يدلّ على شيء، فعلى أنّ الرقم أكبر بكثير من المتداول!
في هذا السياق توضح الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص لـ “هنا لبنان” أنّ “هناك زيادة مخيفة بنسب الانتحار”، مضيفة ” السبب ليس فقط اقتصادياً، علماً أنّ هذا السبب قد يكون محفزّاً لظهور عوارض الاكتئاب وزيادة حالات اليأس وتهيئة الظروف السيئة لدخول الشخص في دوامة الاكتئاب والسوداوية والعزلة وظهور الأفكار الانتحارية، خاصّة إذا كان الشخص عاطلاً عن العمل”.
وتتابع قصقص “فقدان الأمن الاجتماعي يلعب دوراً كبيراً في هذا الموضوع، إذ يشعر الشخص أنّه ليس في وضع آمن وأمام مستقبل مبهم، وأنّه في لحظة ما قد يخسر كل شيء، وهذا قد يدفع الشخص لأن يعيش الخسائر السابقة التي لم يتخطّها، وتصبح أكثر صعوبة، فتأخذه بالتالي نحو الاكتئاب وما يترافق معه من زيادة العوارض”.
ولفتت قصقص إلى أنّ “الاكتئاب لديه أيضاً أسباب بيولوجية ووراثية، وقد تكون الإصابة به نتيجة العامل الوراثي أيضاً”.
إذاً، في وسط الانهيار أصبح العديد من اللبنانيين يبحثون عن الأمن بين جدران قبر، بعدما تحوّل الوطن إلى غابة وباتوا يعيشون في العراء.
مواضيع مماثلة للكاتب:
أين لبنان؟.. يا فيروز! | سليم عياش.. “القاتل يُقتل ولو بعد حين”! | نعيم قاسم “يعلّم” على الجيش.. الأمين العام “بالتزكية” ليس أميناً! |