مصيبة صحيّة تغزو لبنان: “أين أنتم يا بلا ضمير؟”
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
يستبدل المريض في لبنان الأمل بالشفاء بتمنّي إيجاد دواء، واقعٌ مأساويّ نشهده منذ سنوات. فغياب الرعاية الصحيّة لا ينعكس سلباً على المرضى فقط بل على عائلاتهم التي لا تتردد في البحث عن حبّة دواء لتسكّن وجع مريضها. كما في الصيدليات كذلك في المُستشفيات، حالٌ من الفوضى تُرخي بثقلها على كيفيّة إستمرار القطاع الطبّي. والمساعي الفرديّة حيناً والجماعيّة أحياناً كفيلة بتخفيف الوجع لبضعة أياّم.
وبين تحمّل المسؤولية وعدمه، اللّبنانيّ بلا دواء، مُستشفيات عاجزة، شعبٌ بأغلبه مٌفلسٌ ومُساعدات خجولة لا تُغني عن دور الدولة! وحياتنا أصبحت عبارة عن حُفنة أموال لتأمين الدواء.
للإحاطة بمعلومات إضافية حول هذا الموضوع، تواصل “هنا لبنان” مع قسم العلاقات العامة في مستشفى سيّدة المعونات الجامعي، الذي أشار إلى أنّ “وضع المستشفيات اليوم مأساويّ لأن مشكلتها تطال عدّة قطاعات، والمريض لا يزال مريضاً ولكن المشكلة تكمن لدى الجهات الضامنة وتأمين الدولة الرعاية الصحية، حيث أنّ شركات الأدوية ترفض تسليم الأدوية قبل الدفع، هذا لم يكن واقع الحال في الماضي، كما أنّ الأوبئة غزت العالم مما فعّل خوف الأفراد من زيارة المستشفيات، خصوصاً أنّ ما يحصل اليوم هو نتيجة تراكمات”.
السيولة هي حاجة أوليّة للمستشفيات، فهناك قسم منها مُستحقات لم تدفعها الدولة منذ سنوات وتغيّرت قيمتها اليوم مع تفاوت سعر الصرف، بينما الشقّ الثاني هو وضع تعرفة جديدة لمواكبة التغيير الحاصل، فهناك أسعار أساسية وتكاليف أساسيّة بالمستشفيات لم تقم الدولة بتغييرها. المستشفيات تدفع بالدولار أعباء كثيرة -الأدوية والمازوت الذي هو حاجة أساسيّة لعمل الأقسام- ولكن معظم المرضى يصعب عليهم الدفع بهذه العُملة.
الفاتورة الطبيّة الكبرى اليوم هي بحسب حالة كلّ مريض وحاجته لإستخدام المعدات اللازمة؛ ولكن صيانة المعّدات التي تدفع بالدولار لا يستطيع المريض تحمّل جزء من تكلفة صيانتها، من هنا لا يمكن تغطية العجز القائم سوى بمُعجزة! الوضع المعيشي اللّبناني لا يخوّل تأمين طبابة ذات حدّ أدنى للشعب، حتّى المقتدرون يترددون في الدخول الى المستشفى.
من جهتها اعتبرت الكاتبة ديزيريه فرح أنّ “ضويّ يا نجوم” السُباعيّة التلفزيونيّة التي عُرضت قبيل عيد الميلاد، لم تكن مسلسلاً بل هو اختبار حياة عاشته لأكثر من عشر سنوات يجسّد الواقع. كان الأمل بلبنان أفضل وأن تكون حياة الأطفال في لبنان أجمل مع تأمين كل المستلزمات الضروريّة لهم بغية المحافظة على صحّتهم، لكن للأسف لم يحصل كل ما تأملنا به”.
أيام طويلة وأسابيع كثيرة قضتها “DéDé” في عملها الإنساني داخل أروقة المُستشفيات، وتعاملت مع أهالٍ وأطفال أصبحوا شباباً وآخرين غادرونا وأصبحوا نجوماً في السماء.
وروت تجربة حصلت معها يوم كتابة هذه السطور عن أمّ منعتها حالتها الماديّة من إجراء عمليّة لابنتها لوضع Chambre التي تأخذ منها العلاج الكيميائي، ممّا جعل عذاب هذه الفتاة أكبر مع إشراقة كلّ شمسٍ، فمع كلّ حقنةٍ ترى هذه الوالدة إبنتها تنصلب.
وتشرح أنّ “الواقع هو عبارة عن أهالٍ يرون العذاب في عيون أولادهم، الأطباء اليوم أصبحوا يقفون أمام الأهالي عاجزين عن تأمين الدواء، بين حياة أولادهم ومُمتلكاتهم، التي يبيعها الأهل من أجل تأمين الدواء لأولادهم!”
وفي حين لم تكترث DéDé بمطالبة الدولة، توجّهت إلى المسؤولين بالقول: “ضمير السياسيين الذين يفتقدون إلى أدنى درجات الإنسانيّة قد مات، لدرجة أننا نسأل أين الدولة، وتأتي الإجابة من وزير أو نائب أو مرشّح… لكن هذه الإجابة من عالمٍ خياليّ غير واقعيّ… سرقوا حقوق أولادنا الّذين يموتون كالعصافير، أمّهات تلبس الأسود ورجال لا يستطيعون تأمين علاج أولادهم، هل هذا هو لبنان الّذي حلمنا به؟”
أما القيّمون على “قسم العلاقات العامة” في مستشفى سيّدة المعونات الجامعي فاعتبروا من جهتهم أنّ على الدولة ووزارة الصحة ونقابة الصيادلة وضع خطّة عمل واضحة، وغير المسموح أن تغيب الأدوية عن المستشفيات تحديداً، لأن المريض عندما يدخل المُستشفى يعني أنّ حالته حرجة في مكان أو آخر، الأدوية غير متوافرة طالما السيولة غير متوافرة ومع وجود الأموال تتواجد الأدوية، اللّغز كبير والقطبة مخفيّة.
الجهات الرسميّة اليوم وضعت خطّة صغيرة لمساعدة مرضى السرطان وتأمين الأدوية لهم، ولكن هذا الأمر غير كافٍ.
المريض المنسوب إلى جهات ضامنة رسميّة -ليس شركات التأمين الخاصة- يعاني اليوم. لذا على تلك الجهات كالضمان الإجتماعي، وزارة الصحّة، والجهات الأمنيّة إعادة تفعيل عنايتها بالمرضى. فمستشفى سيّدة المعونات الجامعي الموجودة على مدخل شمال لبنان كانت تستقبل مرضى على نفقة الجهات الضامنة، غير أننا نلاحظ اليوم أنّ تلك الجهات لم تعد تغطّي الحالات المرضيّة كما في السابق.
بينما أشارت DéDé إلى أنّ “مسلسل ضوّي يا نجوم أظهر قليلاً من معاناة الأولاد الّذين ليس لديهم دواء، وأظهر وجع الأمهات وإكمالهم لحياتهم رغم الدمعة التي لا تجفّ والخنجر المغروس في قلوبهم”.
“تيليتون” ضوي يا نجوم ساهم بمساعدة سريعة وملحّة لمبالغ كبرى لتأمين أدوية أطفال أو عمليات.
وترى أنّ “التيليتون 28 كان من الأصعب لأنّ الخوف من عدم جمع المبلغ المطلوب كان كبيراً، ولكن بفضل محبّة الناس ودعمهم تمّ جمع 240 ألف دولار، وتأمّنت عملية الطفلة كريستل وعلاج أطفال آخرين!”، خاتمةً: “هذا كلّه من خيرات اللّبنانيين الّذين يتمتّعون بإنسانيّة كبيرة. و 90% من الشعب اللّبناني الّذي عليه الدخول إلى المستشفى بحاجة الى٦٦ تيليتون لجمع المبلغ! حتى إننا وبحسب الصيدليات، أصبحنا نحتاج أقلّه إلى مليوني ليرة لتأمين الدواء في حال أصبنا بالـGrippe، ورغم الواقع المرير علينا أن نبقى متفائلين، فمن صُلب الأوجاع يولد إصرار مُجتمع على الإستمرار، نخسر في كلّ يومٍ مريض لا يحتاج سوى إلى حبّة دواء سُرقت من الّذين يفتقدون إلى ضميرٍ حيّ. فهم يتمتّعون بالنعيم ويتركون المرضى ليعيشوا جحيم الموت قبل إختباره”.