“رئيس يحمي ظهر الحزب”… هل هذا ما تسعى إليه فرنسا؟
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
ماذا يريد إيمانويل ماكرون من لبنان؟ يعبّر الرئيس الفرنسي باستمرار عن حبّه واهتمامه بلبنان. في آخر حديث له (“النهار” 23 كانون الأول)، قال إنّ “همه اللبنانيون أنفسهم وليس الطبقة السياسية”، مطالباً بـ “ضرورة تغيير القيادة” ومبدياً استياءه من “الذين يثرون على حساب بلدهم ويريدون البقاء في السلطة”!
ويضيف جازماً أنّ “لبنان يحتاج إلى “رئيس جمهورية ورئيس حكومة نزيهين”.
كلام مصيب وفي محلّه، يطالب به اللبنانيون بأعلى صوتهم منذ سنوات. ثمّ يدافع في الحديث عينه عن نجيب ميقاتي مفترضاً أنّ “ميقاتي نزيه وغير ثري”! غير أنّه يشكّك في “قدرة الشعب اللبناني على طرد هؤلاء…” فمن بإمكانه أن يطردهم يا ترى؟
إنّ ماكرون الذي نجح في التجديد لرئاسته دورة ثانية، كان قد شكّل مفاجأة الانتخابات الرئاسية الفرنسية في العام 2017 وصعد على أنقاض الطبقة السياسية المنهارة، بجناحيها اليميني واليساري، لدرجة أن سلفه وربيبه الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند لم يجرؤ على الترشّح مرةً ثانية، كما يحقّ له بحسب الدستور الفرنسي، وكما درجت عادة معظم رؤساء فرنسا.
وماكرون هو فعلاً شخصية فريدة من نوعها، يختزن مجموعة من التناقضات. إنّه نشيط ومبادر، بارع في التواصل، محدّث لبق و”حباب”، كما يقال في الدارج، وهو أيضاً طليق اللسان لدرجة أنه ينسى ما يقوله وما أعلنه يوم سارع للقدوم إلى بيروت غداة تفجير المرفأ قبل أكثر من سنتين، في 4 آب 2020، ليتضامن مع اللبنانيين ويقف إلى جانبهم متكلّماً عن حاجة لسلطة جديدة وعن ضرورة وضع “ميثاق جديد للبنان”.
ما يطلقه يدفع فعلاً إلى الحيرة، فهل هو مقتنع حقيقة بما يطرح أم أنها مجرد شعارات يدغدغ بها عواطف الرأي العام؟ والأخطر في كلامه هو مطالبته بوضع ميثاق جديد؟ فهل يفترض أن الحالي الذي يقوم على صيغة 1943 ودستور “اتفاق الطائف” أصبحا غير صالحين. أو أنه يعتبر ربما أن الميثاق اللبناني الفريد والمركب هو مجرد “عقد اجتماعي جديد” (اقتصادي-اجتماعي) يمكن صياغته بين الحكومة وأرباب العمل وممثلي العمال على غرار المعمول به في دول أوروبا؟
إنّ ما فعله ماكرون خلال هذه الفترة بعد الزلزال السياسي الذي أحدثه تفجير المرفأ هو فشله في الدفع بتشكيل حكومة بديلة يرأسها تكنوقراطي، تبعها تَبَنٍّ لـ “الموجود” أي الطقم السياسي القائم الذي يقول أنه يجب تغييره. وبعد فشل سعد الحريري في تشكيل حكومة انتقل إلى تبنّي ميقاتي، والآن يسوّق على ما يبدو لبقائه على رأس الحكومة مع الرئيس الجديد الذي لا يزال مجهولاً. وكان ما زال يتواصل في الأسابيع الماضية مع أكثر من عاصمة معنيّة بالوضع اللبناني، ومن بينها طهران التي تهيمن ذراعها المسلحة على مصير الرئاسة في لبنان. غير أنه اضطر إلى التراجع أمام انتفاضة الشعب الإيراني الذي يطالب بحريّته في وجه النظام الظلامي والاستبدادي!
فهل إنّ حرية الإيرانيين حق وحرية اللبنانيين غير محقّة؟ فما يفعله الآن وما يتّخذه من مواقف وإجراءات ضدّ سلطة الملالي، لماذا لم يتّخذه حين اندلعت انتفاضة 17 تشرين 2019 ضدّ منظومة السلطة في لبنان. وهل إنّ مقاطعة النظام الإيراني والضغط عليه – وهو الأهم بما لا يقاس – لا تصح مع منظومة السلطة في لبنان؟
الخلوة مع محمد رعد في قصر الصنوبر كانت خطوة لم يسبقه إليها أحد، وتواصل السفيرة الفرنسية في لبنان مستمر مع “حزب الله”، وكل الجهود والاتصالات بشأن الرئاسة أو الوضع السياسي والاقتصادي قائمة معه وتتلمس رضاه. فيما أمينه العام حسن نصرالله يعلن ويكرّر بأنّه يريد رئيساً “يحمي ظهر المقاومة”. فهل هذا هو الرئيس الذي تبحث عنه فرنسا وتتمناه للبنان؟ وهل ما يريده “حزب الله” يمثل “القيادة الجديدة” النزيهة التي يطالب بها الرئيس الفرنسي، وغير المرتهنة لسلاح وسطوة “حزب الله”؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |