الكابيتال كونترول على طاولة البحث: قانون “ملغوم”.. يضرب المودعين!
كتبت كارول سلوم لـ “هنا لبنان”:
مَن يتابع سير النقاش في مشروع قانون الـ “كابيتال كونترول” أو قانون وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية، في اللجان النيابية المشتركة، يخرج بإنطباع مفاده غياب الإدراك في حيثيّاته ونتائجه وإشكالية في التنسيق مع المعنيين به بشكل مباشر، بدليل أنّ ما يتمّ بحثه يدفع إلى تأزيم المشكلة بدل اللجوء إلى الحلول، فالمقاربة الخاطئة للمشروع تؤدّي في نتيجة الأمر إلى خلاصات سلبية.
وفي الأصل، فإن هذا المشروع أُفرِغ من مضمونه وفَقَد حيثيّاته بعد مرور الوقت، علماً أنّه كان يجب تنفيذه منذ بدء الأزمة الإقتصادية في العام ٢٠١٩.
في الأمس القريب، أكّد نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، بعد اجتماع اللجان، أنّ “هناك سعياً ليصار إلى منح كل مودع مبلغ ٨٠٠ دولار نصفها بالـ”فريش”، والنصف الثاني بالليرة اللبنانية وفق السعر الفعلي للسوق، وسبق ذلك إعلانه إقرار المادّتين الخامسة والسادسة من المشروع، حيث قال بو صعب في حينها عن هذه المادة بالذات: “عوضاً عن وضع السقف الأعلى للسحب، تمّ وضع السقف الأدنى أي أن يسحب كل مودع قبل ١٧ تشرين الأول مبلغ ٨٠٠ دولار شهرياً بالحدّ الأدنى، وترك موضوع تدرج المبلغ إلى اللجان وفق تطوّر الأوضاع الإقتصادية والمعيشية للمواطنين”.
بدا هذا الكلام مفتوحاً على خيارات لا تصبّ في مصلحة المودعين ولا المصارف، خصوصاً أنّ أي تعديلات جديدة تطرأ عليه، بعد إحالته من اللجان المشتركة إلى الهيئة العامة لمجلس النواب، يجب أن تأخذ في الحسبان قدرة المصارف التي تستمدّ الكميّة الكبيرة من العملات الأجنبيّة من مصرف لبنان.
وهنا، تتحدث مصادر اقتصادية، لـ “هنا لبنان”، عن “خشية من حصول تعديل في السحوبات، وحتى إن لم يحصل فإنّ الرقم المقترح، أي الـ٨٠٠ دولار شهرياً، ضربة للمصارف التي سيترتّب عليها تأمين مبالغ من العملية الصعبة تفوق قدرتها، في الوقت الذي تسعى فيه إلى الصمود في وجه الظروف الصعبة كافّةً والقيام بدورها الرئيس في الوقوف إلى جانب المودعين”، مشيرةً إلى أنّ “المطلوب اليوم وقبل الغد التراجع عن أي قرار من شأنه أن يضعف القطاع المصرفي ويجعله الضحيّة ويحول دون حصول هؤلاء المودعين على وديعتهم”.
وتقول المصادر نفسها إنّ “السير بقرار سحب الـ ٨٠٠ دولار شهرياً يؤدّي إلى خسارة لدى معظم المصارف، وفي نهاية المطاف، قد يضطرّ بعضها إلى الإقفال”، داعية إلى “إعادة درس الموضوع وإشراك جمعية المصارف في القرارات المنوي اتخاذها”.
ويشدّد الخبير الإقتصادي والمالي الدكتور جو سروع، لـ”هنا لبنان”، على “وجود أهمية في وضع ضوابط مؤقتة وإستثنائية على التحويلات المصرفية وحسن إدارة ما يتوافر من العملات الصعبة بهدف التأثير إيجاباً في عملية التعافي المالي والإقتصادي والضوابط يجب أن تكون جزءاً من خطة تعافٍ مالية وإقتصادية ومصرفية متكاملة”، معلناً أنّ “القطاع العام هو المسؤول الأول والأخير عن استعادة الثقة بالإدارة الجيّدة والكفوءة والنزيهة، وإعادة الثقة إلى القطاع العام هي في أساس تحرير القطاع الخاص من أثقال القطاع العام المالية والإدارية والهدر والفساد”.
ويرى سروع أن “بيروقراطية آليات تنفيذه والمدة المطلوبة، وتحديداً في ما يخصّ الإقتصاد الوطني من تصدير واستيراد، من شأنها أن تحدّ من النشاط الصناعي والتجاري إنتاجاً”، داعياً إلى “استعادة المصرف المركزي لدوره في إدارة السياسة النقدية بمكوناتها كافّةً: أسعار صرف النقد الوطني في العملات الأجنبية وأسعار الفائدة القريبة من الصفر، وهو أمر بالغ التعقيد في المحتوى النقدي الحالي، لأنّ أسعار الفائدة هي من الدعائم الأساسية في إدارة السياسة النقدية، وفقاً لإستراتيجية واضحة تدعمها موارد نقدية مجدية”.
ويتحدّث سروع عن “تأخر المشروع لأكثر من ٣٧ شهراً في ظل وضع إقتصادي مستمرّ في الإنهيار واقتصاد ميكرو متعب ومثقل، كلّ منهما بقدر حاجته يلزمه وعلى قياسه إعادة ولادة وتموضع على ثلاثة أعمدة متلازمة هي التحوّل الرقمي ومراجعة سلاسل التوريد وبناء قدراته التنافسية والإستدامة، وهذا دونه خطة تعافٍ وإصلاح حقيقية كاملة وشاملة وجدية قابلة للتنفيذ وفعالة استراتيجياً، وقادرة على دعم ما تبقّى من مرتكزات قطاعات القطاع الخاص”، متوقفاً عند “الخطط التي اعتمدت لإعادة التوازن إلى المالية العامة وبقيت حبراً على الورق، وتلك التي أُنفق عليها بعد العام ٢٠١٩ من وقت ومال، وعدلت وسقطت وكذلك الأمر بالنسبة إلى خطة الحكومة التي قدمت وسحبت وعدلت”، مشيراً إلى أن “تكاليف عدم الفعالية وعدم الإنتاجية واللاعملانية تتكاثر اليوم، فضلاً عن تراكم تكاليف على أخرى”.
ويشرح أنّه “بفعل بيروقراطية آلية تنفيذ المشروع وغياب الخطة المرجوّة والمستوى المحدود للنشاط الإقتصادي والمالي والمصرفي، فإن كلفة تنفيذه المباشرة وغير المباشرة قد تفوق فائدته”، مبدياً خشيته من أن “يزيد مشروع القانون من نشاط وفاعلية الإقتصاد النقدي الموازي والذي يضطلع به عاملون إقتصاديون فاعلون، وفي مختلف النشاطات الاقتصادية، وبأحجام مؤثّرة تتغذى من الإقتصاد العادي”.
لم يعد لمشروع قانون الـ “كابيتال كونترول” أي منفعة في ظلّ غياب خطة فعالة والحديث عن اقتراحات وتعديلات من هنا ومن هناك، لا تخدم أصحاب الشأن، بل ترتدّ سلباً على روحية المشروع بأكمله.