فدراليّة “الحزب”
لقد رسّخ الحزب فدراليّته الخاصّة، فاحتفظ بمناطقه الّتي يتواجد فيها الأمن الشّرعي صورياًّ، وسيطر بواسطة جزء من هذا الأمن، على المناطق الباقية..
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
بعد أن بنى دويلته التي تأتمر الدولة بأمرها، عاب حزب الله على من يطالبون بالفدراليّة مطالبتهم، ووضعها في خانة المسعى التقسيمي. وفي استعراض بسيط لسلوك الحزب الذي طبّق فدراليّته الخاصّة على مدى عشرات السّنوات فباتت استقلالا ذاتياً، يصحّ فيه القول أنّه كيان مستقلّ بكلّ ما تعنيه الاستقلاليّة، من الأمن إلى الاقتصاد والمال والمعابر والحدود والمرفأ والمطار والقضاء، وإلى كلّ تفاصيل الخصوصيّة، حتّى الوصول إلى إعلان سيطرة هذه الدّويلة على الدّولة بأكملها، مع احتفاظها بشخصيّتها المستقلّة.
بعد عشرات السّنوات، التي عجزت فيها الحلول مع الحزب سواء بعد العام 2000 حين زال الاحتلال الإسرائيلي، فكانت حجّة شبعا الذّريعة للاستمرار بالإمساك بالسّلاح، ويومها صدر نداء المطارنة الموارنة الشّهير الّذي طالب بانسحاب الجيش السّوري، وتسلّم الدّولة مسؤوليّتها على أرضها وحدودها وسيادتها، فلم ينسحب هذا الجيش إلا إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ليتسلّم بعدها الحزب مسؤولية الحلول مكان الوصاية السورية فكانت أحداث برهنت على أنّ مشروع حزب الله يتجاوز بكثير الوطن اللبناني، ويتخطّاه إلى ما هو أعمق من مجرّد التذرّع بمقاومة إسرائيل.
لقد رسّخ الحزب فدراليّته الخاصّة، فاحتفظ بمناطقه الّتي يتواجد فيها الأمن الشّرعيّ صورياً، وسيطر بواسطة جزء من هذا الأمن، على المناطق الباقية، فنشر سرايا المقاومة، وسلّح حلفاءه ودرّبهم، واستدرج الجميع إلى حوار في العام 2005 ، وأوحى بقبول نزع السّلاح داخل المخيمات، لكنّه عاد وانقلب على بعض المقرّرات الهزيلة للحوار، وكانت حرب العام 2006 بداية تكريس انقلاب حزب الله على الدّاخل اللبناني، حيث ارتدّ بعد نهايتها إلى وسط بيروت، ليحتله سنة كاملة ولينفذ بعدها 7 أيام فارضاً وصاية حقيقيّة على القرار اللبناني وتشكيل الحكومات، ولاحقاً، فرض وصايته على انتخاب رئيس الجمهورية، فعطّل هذا الانتخاب سنتين ونصف ليأتي بميشال عون رئيساً، وهو يعطّله اليوم ليحقّق الأمر نفسه، مع كلّ ما يعني ذلك من وصاية وتكريس لأمر واقع محميٍّ بالسّلاح وبفائض القوّة.
من يريد بعد كلّ ما مارسه من أمن ذاتي واقتصاد ذاتي ومناطق محظورة كجبل الريحان الذي استشهد فيه ضابط طيّار للجيش اللبناني، وحدود مسيطر عليها، وحكومات لا تشكّل إلّا بعد فرضها فرضاً، ورؤساء لا ينتخبون إلّا بعد تعطيل البلد لشهور وسنوات، من يريد أن يتّهم سواه بلعنة الفدراليّة، فليفكّك فدراليّته أوّلاً، التي أنشأها على مرّ السنين، وعندها يحقّ له أن ينادي بطهرانية الدعوات الوحدوية.
لكن قبل ذلك وعلى وقع الانهيار الكبير والتعطيل الذي يمارس دون الأخذ بعين الاعتبار ولو للحظة ضمير أنّ شعباً ترتكب بحقّه مجزرة بشعة، لن يكون لأحد الحقّ في لوم من يطالبون بالطلاق أو بأيّ دعوة للخصوصية، فهذه الدعوات لم تصدر إلّا بعد أن استنفدت كلّ الحلول، فلم تعد لأحد القدرة على انتظار الغيب، ولن يبقى أحد صامتاً يراقب تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومات أشهراً وسنوات، والتفرّج على الكارثة عجزاً يعني المشاركة في تحمّل مسؤولية استمرارها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |