الكنيسة تنتفض على ممارسات المنظومة: “لن نسكت”!
وقاحة السلطة، وتحوّل الضحية إلى مجرم، دفع الكنيسة لرفع السقف، فماذا تقول الأوساط المقرّبة من البطريرك الراعي عمّا تعرّض له أهالي شهداء 4 آب؟
كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:
ما جرى خلال الأيّام القليلة الماضية من انقلاب في المقاييس، ومحاولة تضييعِ العدالة والحقّ كي ينتصر الباطل، في قضيّة محقّة أبكت العالم أجمع في تاريخ مأساويّ لن ننساه “4 آب 2020″، حين قضى تفجير عاصمة على أكثر من مئتي ضحيّة، وأكثر من ستة آلاف جريح ومئات المعوقين وآلاف المشردين، من دون أن ترفّ جفون المنظومة الحاكمة منذ ذلك الحين ولغاية اليوم، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن مستوى الدّرك الذي وصلنا إليه في الغابة التي نعيش فيها، بعدما تحوّل بعض أهالي شهداء المرفأ إلى مطلوبين للعدالة، ليصبح المثل الشائع مسيطراً بقوّة على الواقع الذي نشهده بحسرة “رضي القتيل ولم يرضَ القاتل”.
فكيف يمكن لوليام نون شقيق الشهيد جو، المدافع الأوّل وحامل راية هذه القضية المحقّة، أن يكون موقوفاً ليل الجمعة الماضي، فيما يسرح المجرمون الذين تسبّبوا بهذه الكارثة منذ أكثر من سنتين ونصف السنة، والتي من المفترض أن تُسقط عروشاً بأكملها، لكن كالعادة لا سبيل لمعرفة هوية أيّ مجرم كبير في لبنان، فالساحة مفتوحة أمام المتعالين عن الشبهات دائماً والأمثال كثيرة…
هذه الصور التي شهدناها على مدى أيّام، ونقلت إلينا الانقلاب الشّهير، استدعت اعتصاماً لأهالي الضحايا، وإقفال طريق جبيل ليل الجمعة من قبل أقرباء نون وأهالي بلدته رفضاً لتوقيفه، بحضور خاله الكاهن جورج صوما الذي تعرّض للضرب على يد أحد العناصر الأمنيّة، الأمر الذي أدّى على الفور إلى تحرّك الكنيسة عبر راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون وكهنة المنطقة، الذين أدانوا ما جرى وطالبوا بفتح تحقيق سعياً إلى تحقيق العدالة، إضافة إلى بيان شديد اللهجة من مطران انطلياس أنطوان بو نجم والكهنة، اعتبروا خلاله أنّ “التعدّي على أهالي الضحايا والشهداء والحريّات والتوقيف الاعتباطي، سوف يُواجه من قبلنا ومن قبل شعبنا بكلّ الوسائل القانونية المتاحة للحدّ من هذا الإسفاف القانوني”، فضلاً عن حضور راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر، إلى مكتب أمن الدولة فرع الرملة البيضاء لإخراج الموقوف نون، بالتزامن مع اتصالات البطريرك بشارة الراعي خلال تواجده على متن الطائرة، التي كانت تقلّه من بريطانيا إلى لبنان، وأفيد بأنّه كان مستاءً ومنزعجاً جداً من كلّ تلك التصرّفات، لذا وضع النقاط على الحروف خلال عظته النارية الأخيرة يوم الأحد الماضي، حيث قال الحقيقة كما هي بعدما طفح كيل بكركي، مطلقاً العنان لصرخات مدوية.
الأب أبو كسم: لسنا ميليشياويين بل رسل محبة وسلام
وفي هذا الإطار يشير رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم في حديث لموقع “هنا لبنان” إلى أنّ الكنيسة تستكمل مسيرتها وعلى رأسها البطريرك بشارة الراعي، الذي يوصفّ حقيقة الواقع المرير في عظاته، ويناشد المسؤولين ويحاكي ضمائرهم، معتبراً بأنّ اللغة التصاعدية التي أطلقتها الكنيسة قبل أيّام سببها ما يجري من انهيارات على مختلف الأصعدة، وسيّدنا الراعي لطالما أشار إليها، فلا رئيس للبلاد، بل حكومة لتصريف الأعمال فقط، وقضاء مشلول لكن لا يخلو من بعض القضاة النزيهين، ومجلس نيابي مشارك في التعطيل، بدل انتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن لانتظام العمل السياسي.
وعن قضية أهالي ضحايا المرفأ، قال: “هم يطالبون بمعرفة حقيقة ما جرى ومن قتل أبناءهم، فكانت النتيجة توقيف شقيق أحد الضحايا لليلة، لأنّه كسر زجاج مكتب في قصر العدل، متناسين سقوط كل هذا العدد من الضحايا والجرحى وتدمير العاصمة، إذ لم يتحرّك أحد”، مستنكراً ما تعرّض له الأب جورج صوما خال الناشط وليام نون، خلال مشاركته في اعتصام جبيل من أجل التهدئة. وسأل الأب أبو كسم: “كيف يُعتدى على كاهن وهو في لباسه الكهنوتي؟ فهذا التصرّف استفزّ الناس والمطارنة والكهنة، فنحن رسل سلام ومحبة ولسنا ميليشياويين، وحين تصل الأمور إلى الكرامة فبالتأكيد سننتفض لكرامتنا، مؤكداً بأنّ الكنيسة لطالما عملت من أجل الحفاظ على الشراكة ولبنان بجناحيه المسيحي والمسلم.
ورداً على سؤال حول عظة البطريرك الراعي يوم الأحد والتي وصفت بالنارية، لفت إلى أنّنا وصلنا إلى الهاوية والهيكل انهار، وأهلنا يعانون بشدة من الأزمات المعيشية المتتالية، فالدولار وصل إلى الخمسين ألف ليرة، فلا دواء ولا طبابة ولا حليب للأطفال حتى، والغلاء مستشرٍ في ظلّ هجرة يومية غير مسبوقة، لذا يطلق البطريرك الراعي صرخاته كي يستفيق المسؤولون، وعلى الجميع تحمّل مسؤولياتهم بدءاً بانتخاب رئيس، كي تتشكّل حكومة لأنّ كل شيء مرتبط ببعضه في هذا الإطار.
وأشار أبو كسم إلى أنّ الناس تدّق أبواب الكنيسة طلباً للمساعدة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الطوائف الأخرى التي تدقّ أبواب مرجعيّاتها الدينية أيضاً، لأنّ اللبنانيين بأجمعهم يعيشون أسوأ أيّام حياتهم وسط غياب أي تحرّك للمسؤولين.
وختم: “سيبقى صوتنا عالياً ولن نسكت”.