لو أنَّ…
الدولة تنشأ من تفاهم جماعة إنسانية على تكوين شخصية معنوية جامعة تحميهم وتدافع عنهم، فأين الدولة ممّا يعيشه لبنان اليوم من ثنائيّة السلاح وقضم الدولة وهتك هيبتها؟
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان:
لو أن شكوكاً حامت حول دورٍ مشبوهٍ لمنظّمةٍ إنسانيّةٍ غير حكوميّةٍ محلّيّةٍ، أو دوليّةٍ، في تفجير مرفأ بيروت، أو في تهريب الأموال إلى الخارج، أو في تسريب الوقود والمواد الغذائية والدولار إلى سوريا، هل كانت التّحقيقات في الأزمات المتدحرجة راوحت في أماكنها منذ أكثر من 3 سنوات، تحت حجج مختلفة؟
وعلى النسق نفسه، سؤال آخر، لو أنَّ من يعطِّل انتخاب رئيس للجمهورية هو كتلة التغييريين، أو ما يوازيها عدداً وتأثيراً، هل كان باستطاعة أعضائها أن يفلتوا بـ “جريمتهم” ضدّ الدستور، ويصرّوا على التبسّم لكاميرات التلفزة، كأنّهم يتلذّذون بدم الديمقراطية المستباح بكذبة التوافق المبتغى، ومنع “طعن المقاومة في ظهرها”؟ وفيما غاية الأول جرّ القوى السياسية جميعاً إلى بيت الطاعة، والاستتباع للحزب “القائد” المحلي، كما كانت الحال في 2018 فإنّ العنوان الثاني يهدف إلى إسباغ ملامح الضحية على من ضحّى بالوطن وعيش أبنائه كي يفاخر حكم إيران بوصوله إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط، واحتلاله 4 عواصم عربية.
جهد الحزب منذ الخروج العسكري السوري ليرفع سلاحه عن طاولة النقاش، ونجح، منذ ارتدّ به على الداخل في 7 أيّار الشهير، في إطلاق أزمات دخانية، ضلّلت العين الشعبية عن أساس بلاويها الوطنية، بينما كلّ تردٍّ في أوضاع البلاد يردّنا إليه، ولم تنفع خطب الأمين العام، و”جوقة” المبشّرين من لدنه في تجهيل الفاعل في ما يعيشه اللبنانيون، بفضل مفاعيل تفتيت بنية الدولة، وصدامه مع فكرة وجودها، ومعنى أحادية سلطتها، منذ أن تولى إعلان لبنان جزءاً من الجمهورية الإسلامية وأحكامها. فالدولة تنشأ، أصلاً، من تفاهم جماعة إنسانية على تكوين شخصية معنوية جامعة، يسلّم الجميع بسلطتها، ويتخلّى كلّ فرد فيها عن حيّز من حريّته، لتدير شؤون الجميع بموجب قوانين تحميهم وتدافع عنهم، وتردع الخارج في أيّ أمر يمسّ عيشهم. فأين هي هذه الدولة ممّا يعيشه لبنان اليوم من ثنائية السّلاح، إلى قضم الدولة، والتسلط على مقدراتها واستتباع مؤسساتها، وهتك هيبتها؟ وهل أدلّ إلى ذلك من الزيارة “الودية” التي أدّاها مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا في 20 أيلول 2021 إلى قصر العدل حيث التقى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود وطلب “قبع” المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار؟ وبرغم الاستهجان العام، لم تتوقف محاولات إجهاض التحقيق في هذه القضية، ولا السعي إلى تطيير ملفها، سواء باجتهادات قانونية تدّعي حصانة لنواب ووزراء، أو بطلبات كفّ يد، أو ادعاء تضارب مصالح، ومخاصمة قضاة، أو فبركة استنتاجات تكاد تقدّم التفجير كأنّه انفجار قارورة غاز في أرض خلاء.
مما يثير الهزء، في المشهد، الفصام السياسي في نفسيات متصدّري الأحداث والوقائع. فهم يتنافسون على ادّعاء التبرّؤ ممّا يسمونه المنظومة السياسية، حتّى يكاد المتابع، سمعاً ورؤية، يظنّ أنّ المتحدّثين من سلالة إي تي، الكائن السينمائي المتخيل، وهبطوا لتوهم على الكوكب اللبناني، ولا يدرون عمّا يتحدّثون، كما لا يرون في انسحاب نوّابهم من نصاب مجلس النواب ما يحول دون انتخاب رئيس للبلاد، وفي ذلك ما يستحقّ تسمية يستخدمها أهل جنوب لبنان هي “البداحة”، أو ما يشبهها من نوع الكذب على الميلتين.
يطلب الأمين العام رئيساً يسميه توافقياً، أي يُجمع عليه النواب، قبل انتخابه، ما يفيد بإلغاء فكرة الانتخاب، أي نواة الديموقراطية، بحيث تتحوّل الأخيرة إلى ما يشبه “تلزيم” الرئاسة بالتراضي، بحيث يصبح الرئيس المنتخب، تالياً، تحت ولاية من أمَّنَ وصوله إلى قصر الرئاسة.
لا يكتفي الحزب الحاكم برئيس يفصّله على مقاسه، بل يريده أيضا ستاراً لظهره من طعنات يفترضها تحيق به، من كل جانب، وهو الذي يُعد عسسه أنفاس الناس، ويحصون الذباب في تحليقها، بينما لا تشغلهم حماية ظهر الدولة التي لا تكون إلّا بحماية مستوى عيش المواطن، فهل من يسأل عمّن يدير، ويستفيد، من تهريب الخضار والفاكهة والأرز والسكر والوقود، بكلّ أشكاله، والدولار ذي اللون الأخضر، ويستولي على أراضي البلديات والمشاعات الأهلية، ويشيد الأبنية على مجاري الأنهار، ويطمئن “الأهالي” إلى الحؤول دون قمع مخالفاتهم، واعتداءاتهم.
الإتيان برئيس يسمى توافقياً لن يكون سوى مظلّة لتمديد الأزمات، بتمايزٍ بسيطٍ عمّا سبق، منذ الاحتلال الإيراني المقنّع بالحزب، فيستكمل تقويض مؤسسات الدولة، لا سيّما في الأمن والقضاء، وتهالك إداراتها، بينما دول العالم لا تملك سوى النصح والتمني، والمبادرات الإنسانية، فشاشة رادار المجتمع الدولي مشغولة بالحرب في أوكرانيا، وأزمة الطاقة العالمية، وكذا أزمة الغذاء والجفاف.
لم يمنع هذا المشهد فتح تحقيق أوروبي في تفجير المرفأ، وفي الفساد المالي، ولربما يدفع اليأس باللبنانيين إلى مقاضاة دولتهم أمام مراجع دولية تحت مظلة الأمم المتحدة لتفريطها بسيادة الوطن، ومصالح أبنائه. لكن على هؤلاء الأبناء أن يتذكروا أنّ الانتخابات التشريعية الأخيرة كانت فرصةً لهم للإتيان بأكثرية نيابية تطيح بالتواطؤات وتفرض إعادة بناء الدولة والوطن، لكنّ عديداً منهم فضّل المحاباة والاستزلام واللون الأخضر، والعمى عن الحقيقة لمصلحة القربى والجيرة، ولا يجب نسيان الأنا المريضة التي فرّقت المرشحين من أبناء الخط الواحد، فأسقطت المتواجهين لمصلحة الخصم المشترك.
الذين ساروا على هذا النهج فضّلوا حاضرهم على مستقبل أبنائهم، وأوصلوا اللبنانيين إلى سماع محاضرات الأمين العام عن العفّة السياسية، وإنقاذ الوطن.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |