لبنان أمام مساءلة دولية: عويدات يطلق سراح الموقوفين ويدّعي على البيطار
بعض الذين يروّجون لنظرية المؤامرة ويعيشون عقدة نقص الخارج والغرب، يتهمون القاضي بيطار متسائلين عن توقيت تحركه بالتزامن مع تواجد محققين فرنسيين وأوروبيين في بيروت، متناسين أنّ عرقلة التحقيق تشرّع الباب أمام التدخل الخارجي.
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
المحقق العدلي يفجرّ قنبلة بعودته إلى استئناف عمله، القاضي يحدث زلزالاً قضائياً وسياسياً بإمساكه مجدداً بملف التحقيق، طارق البيطار جن جنونه؟!… وغيرها من ردود الفعل التي عكست مدى الريبة والخوف مجرد أن قرر المحقق في جريمة تفجير المرفأ، التي ذهب ضحيتها أكثر من مئتي بريء، متابعة التحقيق في الملف الذي يبدو أنه أصبح كثيفاً وسميكاً ومعززاً بالوقائع والأدلة، ناهيك عن أن التقرير الظني (الاتهامي) أصبح شبه جاهز ويمكن أن يصدره في في وقت قريب. واللافت أكثر أن العودة أثارت جنون بعض السياسيين الذين اتهموه بالجنون، والذين فقدوا أعصابهم بعد أن ناموا على حرير بعد طلبات الرد وكف اليد الذي دام أكثر من سنة. وما أغضبهم بشكل خاص هي كيفية عودة البيطار متسلحاً بقوة الحجة والإرادة إذ باشر فوراً بتسطير إنابات استدعاء للتحقيق سواء لشهود أم لمتهمين طالت “رؤوساً كبيرة” أمنية وسياسية وحتى قضائية، كما أصدر بالمقابل عدداً من إخلاءات السبيل. وربما تكمن “القنبلة” التي فجرها البيطار باستدعائه مدعي عام التمييز نفسه غسان عويدات، وكرر استدعاءه لبعض الوزراء السابقين والنواب الحاليين الذين رفضوا سابقاً الامتثال، ومن بينهم من صدر بحقه مذكرة توقيف مثل علي حسن خليل.
والسؤال الأهم الذى شغل بال كل هؤلاء: من أين يستمد البيطار قوته ومن يقف وراءه؟ حرص القاضي- المحقق الذي صمد طويلاً أمام كل الضغوط والافتراءات والتهجمات أن يتسلح بالقانون كأداة للوصول إلى العدالة، وراح خلال فترة التنحي القسري يدرس ويمحص في القانون عن مخرج لعودته فوجد حجّته في تجربة واجتهاد رئيس المجلس العدلي السابق فيليب خيرالله الذي قضى بأن ما من جهة أو سلطة تملك صلاحية رد المحقق العدلي أو تنحيته أو استبداله، باعتباره من جهة يحتل “مركزاً لصيقاً بشخصه وأي قرار قضائي بتنحيته ينطوي حتماً على إلغاء هذا المركز”، ومن جهة أخرى “من غير الممكن تقديم طلبات نقل دعوى بوجهه ربطاً بكونه “مكلفاً اسمياً بموجب قرار تعيينه في قضية محددة… ولا يمكن لأي مرجع آخر قائم أو موازٍ أن يتابع التحقيقات محله”. وهذا الاجتهاد القانوني تبناه كبار رجال القانون أمثال وزير العدل السابق البروفسور ابراهيم نجار ورئيس مجلس القضاء الأعلى السابق القاضي شكري صادر. ويضيف النجار أنه بناء على ذلك فإن المحقق العدلي يتمتع بسلطة الملاحقة الموازية للسلطة المناطة حصراً أمام المجلس العدلي بمدعي عام التمييز، ما يجعله بالتالي بغنى عن الحصول على إذن بالملاحقة حتى للقضاة أنفسهم. وفي رأي النجار أنه يحق له أيضاً أن يستدعي أيًّا كان وفي أي موقع كان. غير أن البروفيسور يعتبر أنه ربما كان على المحقق أن يتريث قليلاً في تسطير هذه الادعاءات مرة واحدة تحاشياً للاستغلال السياسي.
عودة البيطار شكلت بدون أدنى شك مفاجأة مدوية، إلا أنها أعادت في الوقت نفسه الانقسام السياسي العمودي حول التحقيق في جريمة العصر، الذي سعى المشتبه بهم إلى طمسه ومحاولة تضييع الحقيقة فيه. غير أن الحملة التي شنت على المحقق تنذر بمضاعفات دولية. عندما يتهم بعض الذين يروجون لنظرية المؤامرة ويعيشون عقدة نقص الخارج والغرب، إذ يتهمون القاضي متسائلين عن توقيت تحركه بالتزامن مع تواجد محققين فرنسيين وأوروبيين في بيروت، يتناسون أن تعطيل التحقيق أو عرقلته من شأنه أن يشرع الباب أمام التدخل الخارجي. لذلك فإنّ قرار مدعي عام التمييز إطلاق سراح جميع الموقوفين والادعاء على القاضي البيطار يشكل تطوراً خطيراً من شأنه تعطيل مسار التحقيق كلياً، ويعرض لبنان للمساءلة الدولية تطبيقاً لما يعتبر في القانون الدولي “عدم إحقاق الحق”.. وأكثر وأخطر من ذلك أن القانون الدولي يجيز لأي دولة أجنبية أن تتدخل “إحقاقاً للحق” إذا كان هناك مواطنون من رعاياها بين الضحايا، وهذا ما هو حاصل في جريمة المرفأ!
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |