الأزمة الاقتصادية تضرب مجال التصوير والأشعة.. مقدسي لـ “هنا لبنان”: نسعى لعدم زجّ القطاع بمتاهات الفوضى!
بات سعر الصورة الشعاعية، كأيّ سلعة أو خدمة في لبنان، يتفاوت بين مركز وآخر دون حسيب أو رقيب.. القطاع يقترب من الفوضى والدولة غائبة.
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
لم تقتصر تداعيات الأزمة الاقتصادية على انهيار العملة وكافة القطاعات فحسب، بل كانت لها انعكاسات شتّى وصلت إلى لقمة المواطن وصحّته. المواطن اللبناني اليوم بات مهدّداً غير قادر على الحصول على أبسط الحقوق، غذاؤه اليوميّ والطبابة، فزيارة الأطباء والمستشفيات صارت رفاهية لا يتمتع بها كثيرون.
وحتّى مجال التصوير والأشعة لم يسلَم من تداعيات الأزمة وتقهقر الوضع الصحي والاستشفائي في البلاد، ولكن اللافت هو أنّ أسعار الصور تتفاوت كأي سلعة أو خدمة أخرى. ففي مقارنةٍ بين أسعار صور الأشعّة بين مركزٍ وآخر لاحظنا الفرق الشاسع في سعر نفس الصورة بين ثلاثة مراكز ضمن نفس المنطقة ولا تبعد عن بعضها أكثر من كيلومتر واحد. ففي المركز الأوّل سُعِّرت الصورة بستّين دولاراً بينما في المركز الثاني تُكلّف أربعين دولاراً، واللافت أنّ الصورة نفسها في المركز الثالث كلفتها مليون ليرة لبنانيّة فقط.
وتعليقاً على هذه المفارقة، أشار نقيب تقنيي الأشعّة في لبنان ﭘول مقدسي في حديث لـ “هنا لبنان” إلى أنّ مراكز الأشعة الخاصة والعامة وحتّى المستشفيات تؤمن خدمات طبية موثّقة علمياً وتتبع معايير ومصطلحات مشفرة تُلزم شركات التأمين والضمان الاجتماعيّ إتباعها مما يُحدّد مسبقاً كلفة كل صورةّ شعاعيّة ويحدّ من الهوّة الكبيرة لهذا التفاوت.
مُضيفاً: “للأسف أكثر هذه المصطلحات موثّقة باللّيرة اللّبنانية ولم تلحظ الفرق في سعر صرف الدولار، ممّا يخلّف موجة من تضارب الأسعار بين أغلب مراكز التصوير والخدمات الصّحية، ولا رقيب لهذا التفاوت في الأسعار”.
وأكّد النقيب مقدسي أنّ الوضع الاقتصادي الرّاهن انعكاسه مزدوج على قطاع تقنيي الأشعة، فالانعكاس السلبيّ هو على العاملين من جهة، والذين لا يحصل أغلبهم على حقوقهم المادية والمعنوية. ومن جهةٍ أخرى، بات المرضى المستفيدون من هذا القطاع يؤجّلون إجراء فحوصاتهم بسبب الكلفة الباهظة ويلغون فحوصاتهم الروتينيّة، فغالبية المواطنين في هذه المرحلة الحرجة اقتربوا من خطّ الفقر، في ظلّ اندثار الطبقة المتوسّطة.
مُضيفاً أنّ هذا القطاع هو قطاع صحيّ خدماتيّ يؤمّن كافة أنواع التصوير الطبيّ، وهذه الخدمات تؤمَّن بواسطة أجهزة متطوّرة تستدعي صيانة مستمرّة ممّا يؤثر على رفع الكلفة المتوجّبة على كلّ مريض، كما أنّ المراكز بحاجة إلى معدات ومستلزمات وأدوية وكل ذلك يؤمّن بالدولار الأميركيّ، ممّا يرفع ويزيد الكلفة. كما أنّ تقاعس الجهات الضامنة عن تغطية كامل المبلغ أو حتى جزء منه ينعكس سلباً على أصحاب مراكز الأشعّة وعلى استمراريّة القطاع.
ووفق مقدسي، فعقود الصيانة الدورية الشاملة للأجهزة وخاصة المتطورة بين المراكز والمستشفيات استُبدلت اليوم بعقود جزئية أو باتت تقتصر على زيارات محدّدة مسبقاً، وذلك لتقليص المصاريف إلى الحد الذي يتناسب والحاجة الملحّة.
وبحسب مقدسي، فإنّ نقابة تقنيي الأشعّة في لبنان عمرها أكثر من خمسين عاماً، وقد قام أعضاؤها خلال هذه السنوات بجهود فرديّة تجلّت من خلال اتفاقيات مع كل من فرنسا وبلجيكا والأردن وتونس والجزائر… لكن على الصعيد المحلّي ما من أحد يهتمّ بالنقابة التي تكافح وتصارع من أجل البقاء.
وأضاف: “نسعى إلى استنباط قانون تنظيم المهنة، وبالتالي تحويل النقابة من اختيارية إلى إلزاميّة. لذا تمّ تقديم مشروع قانون تنظيم المهنة لأكثر من سبعِ مراتٍ منذ العام 1993 لغاية اليوم وفي كل مرّة يوضع القانون في أدراج المجلس النيابي. ومع وزير الصحّة الحالي فراس الأبيض، كُلِّل المشروع بموافقة مجلس شورى الدولة، وينتظر إقراره بمجلس الوزراء”.
وختم بالقول أنّ النقمة تزيد اليوم لدى الفنيين والتقنيين الذين يبحثون عن جميع الوسائل للهروب من هذا الوضع ويفتّشون عن فرص السفر والهجرة؛ هذا النزيف المُستشري يعاني منه القطاع بحيث غادر لبنان أكثر من 250 اختصاصيّ أشعّة إلى أوروبا والخليج رغم تدنّي مستوى المغريات في الخارج ولكن الاستقرار المعنوي له أثر كبير على قرار الهجرة. ورغم غياب الدولة نسعى إلى المحافظة على القطاع وعدم زجه بمتاهات الفوضى والإضرابات التي تقوم بها النقابات الأخرى بسبب تجاهل الدولة.
تجاهل الدولة اللّبنانيّة لحماية القطاعات الاقتصاديّة واقعٌ مُخالفٌ للدستور الّراعي للمصلحة العامة. فهل تتدخل الدولة اللّبنانيّة لحماية قطاع تقنيي الأشعّة ومنع الفوضى فيه قبل حدوثها؟