لبنان بين صراع القضائين ولعنة العرفين
المقلق في هذه الاحتجاجات هو أنّها يمكن أن تتحوّل إذا دعت حاجة محرّكيها، إلى حركات عنفيّة..
كتب محمد سلام لـ “هنا لبنان”:
السؤال ليس من سيفوز في المواجهة المفتوحة بين المحقق العدلي طارق البيطار والنائب العام التمييزي غسان عويدات، بل السؤال هو أين سيستقرّ ملف تفجير مرفأ بيروت ومن سينصف أهالي 218 شهيداً و5500 جريح، و150 معاقاً خلّفهم غبار ذلك الإعصار الذي ضرب بيروت في 4 آب العام 2020.
السؤال أيضاً هو: ماذا سيقول لبنان للدول الـ 13 التي فجعت بإصابات مواطنيها في انفجار مرفأ بيروت وهي سوريا ومصر وأثيوبيا وبنغلادش والفيليبين وباكستان وفلسطين وهولندا وكندا وألمانيا وفرنسا وأستراليا والولايات المتحدة.
البيطار، بصفته قاضي التحقيق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت، تجاوز 40 كفّ يد وقرار ردّ بحقّه بعد 13 شهراً من تعليق مهامه فأصدر قراراً بإطلاق خمسة موقوفين كما حدّد مواعيد بين 6 و22 شباط المقبل لجلسات استجواب 14 شخصاً بينهم وزراء ونواب وقضاة وأمنيون وعسكريون ومدراء في الجمارك سابقون وحاليون منهم رئيس الحكومة السابق حسان دياب وقائد الجيش السابق جان قهوجي ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا.
وردّ عويدات بقرار إطلاق سراح جميع الموقوفين والادّعاء على البيطار لممارسته مهامه بعد كفّ يده وصدور قرارات ردّه… ومنَعه من السفر.
وبدأ تنفيذ قرار عويدات وكان أوّل المطلق سراحهم مدير عام الجمارك بدري ضاهر.
وكان البيطار بعد أيام من لقائه وفداً قضائياً فرنسياً وإثر انتفاضة أهالي شهداء المرفأ المطالبين بعودته لممارسة صلاحياته، علّل عودته باجتهادٍ قانونيٍّ يعتبر أنّ من عيّنه المجلس العدلي لا يسري قرار ردّه وسحب ملفٍّ من يده من قبل محكمة أدنى من المجلس العدلي، كمحكمة التمييز، واستند على دراسةٍ قانونيةٍ تعتبر أنّ صلاحيّات المحقّق العدليّ حصريّة، ولا يمكن ردُّها أو نقل الدّعوى من يده إلى يد قاضٍ آخر.
السؤال الآن هو: هل ستنفّذ الإدارات الأمنيّة بعد إطلاق الموقوفين قرارات البيطار أم قرارات عويدات؟
الأرجح هو أنّ قرارات النائب العام التمييزي عويدات هي التي ستُنفّذ لأنّ الإدارات الأمنية والعسكرية عادةً تنسّق مهامّها العدلية بموجب تعليماته، وفقاً لنصّ القانون.
وأفاد مصدر مطّلع أن ضابطاً قد أرسل لتبليغ البيطار قرار عويدات في منزله بضاحية البيّاضة لكنّ الأخير رفض التبلّغ.
ماذا سيحدث اعتباراً من 6 شباط، الموعد الذي حدّده البيطار للانطلاق بتحقيقاته بدءاً بالنائب غازي زعيتر والوزير والنائب السابق نهاد المشنوق؟
عادة في لبنان العُرف غير المكتوب لا يسمح بمثول كبار المسؤولين من مدنيين وعسكرين وسياسيين وقضائيين أمام المحقق، وبالتالي، فإنّ الشقّ الأول من السؤال هو: ماذا يحمل “العرف البشع” الّذي صار لتكراره وعدم إمكانية رفضه يوصف تهكّماً بأنه قدر “للبنان قبل 6 شباط”؟
الشقّ الثاني من السؤال الذي لا يقلّ أهميّةً عن الشقّ الأوّل بل هو جزء من عرفه، هو: هل سيخضع البيطار للتحقيق أمام عويدات؟ وإذا لم يحضر للتحقيق فهل سيتم إحضاره مخفوراً وفق المعمول به عندما يتخلّف متّهم عن المثول أمام القضاء؟
طقس شباط، على ما يقوله المثل الشعبي اللبناني، “لبّاط” ويبدو أن اللبيط بدأ قبل شباط بقطع الطرقات في عدة مناطق من لبنان احتجاجاً على تهاوي العملة الوطنية وارتفاع الأسعار وفقدان الدواء والكهرباء وسط تحذيرات من انهيار الأمن الغذائي.
المقلق في هذه الاحتجاجات هو أنها يمكن أن تتحوّل إذا دعت حاجة محرّكيها، إلى حركات عنفيّة ضدّ بعضها البعض…
في لبنان، “العرف اللبناني” دائماً يسود إلى درجة تشبيهه بالقدر، فهو الذي أمّن الإفلات من العقاب منذ العام 1975 لقتلة معروف سعد وكمال جنبلاط والرئيسين بشير الجميل ورينيه معوض والمفتي حسن خالد والشيخ صبحي الصالح وغيرهم فهل سيسود هذه المرة أيضاً أم أنّ ذلك التفجير الذي دمج دماء مواطني 14 دولة في مرفأ بيروت قد حشد توجّهاً دولياً كافياً للتخلص من هذا “القدر اللبناني البشع”؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
لا يطلب وقف النار إلا الخاسر | هديتان من سوريا في نفس اليوم | فوز ترامب أسقط مهمة هوكشتاين في لبنان |