هل الانهيارات المتتالية مفتعلة؟

أن يجري هذا السيناريو المميت في مرحلة السلم وفي وقت صمت المدفع منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فإن ذلك مثير للريبة والقلق ولا يمكن السكوت عنه

كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:

حالة الفوضى اللبنانيّة آخذة في الاتساع التدريجي الذي يشي بالمزيد من التطورات الدراماتيكيّة الخطيرة على مختلف المستويات والذي من شأنه أن يدفع بالبلاد نحو منزلقات لن يكون من السهل ضبطها أو التنبؤ بمآلاتها ونتائجها.

ما حدث في القضاء من فوضى غير منظمة هو بمثابة ضربة قاسية لأي مشروع مستقبلي لإعادة إحياء الدولة وإعادة تركيز أسس مشروعها المتعثر منذ ولادة لبنان الكبير. صحيحٌ أن لعنة ضعف الدولة تلاحق هذا البلد الصغير من لحظة نشأته، ولكن تداعي أعمدة الدولة بالطريقة التي تشهدها الحقبة الراهنة أكثر مأساوية من مرحلة الحرب الأهليّة.

أن تضعف الدولة المركزيّة لمصلحة صعود القوى المتصارعة على الأرض في مرحلة الحرب هو بمثابة نتيجة “طبيعيّة” ومتوقعة للأعمال الحربيّة (ولو أنها غير مقبولة حتماً)، فهذا السيناريو الرديء هو ما يجري في معظم الساحات التي تعيش تجربة الحرب الأهليّة المقيتة.

ولكن، أن يجري هذا السيناريو المميت في مرحلة السلم وفي وقت صمت المدفع منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فإن ذلك مثير للريبة والقلق ولا يمكن السكوت عنه سياسيّاً أو حتى أخلاقيّاً لأن ذلك يعني عمليّاً الموافقة الضمنيّة أو الشراكة الخفيّة في عمليّة التدمير المنهجي التي تشهدها البلاد بشكل غير مسبوق.

المطلوب اليوم صمود المؤسسة العسكريّة والأجهزة الأمنيّة قدر الإمكان للحفاظ على ما تبقى من “استقرار” أمني لا مفر من أن يتعطل من خلال التردي الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي غير المسبوق الذي تعيشه البلاد عبر الارتفاع الجنوني لسعر صرف الليرة اللبنانيّة التي قد تصبح قريباً غير قابلة للاستخدام في الأسواق المحليّة نتيجة تدهور قيمتها السوقيّة بشكل شبه يومي، لا بل على مدار الساعة.

واضح أن الحل يبدأ بانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة على أن يكون شخصيّة وطنيّة تحظى بالثقة في الداخل والخارج، على أن يُبنى تدريجيّاً على “الصدمة الإيجابيّة” التي يشكلّها الانتخاب وتُستكمل من خلال إختيار شخصيّة موثوقة لرئاسة الحكومة وتأليف حكومة تتمكن من البدء بتنفيذ الإصلاحات الإقتصاديّة المطلوبة ووضع البلاد على السكة الصحيحة.

كل الكلام المنهك حول الصلاحيّات ودور حكومة تصريف الأعمال وما إلى ذلك من سجالات ونقاشات عقيمة لا يعدو كونه ذرّ للرماد في العيون ويعكس قلّة مسؤوليّة وشيء من الصبيانيّة، إنما المكلفة جداً على البلاد والعباد.

يستحق اللبنانيون إدارة أفضل من تلك التي يختبرونها، ويستحق لبنان فرصة لالتقاط الأنفاس والحفاظ على دوره ورسالته وحرياته وتعدديته. ويحق للمواطن اللبناني أن يتساءل: هل من الممكن أن تكون هذه الانهيارات اللبنانيّة المتتالية أو عدم السعي للجمها، مفتعلة؟

مواضيع مماثلة للكاتب:

7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط!

لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر!

إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟