16 ألف قنبلة موقوتة في لبنان… فهل من يتحرّك قبل وقوع الكارثة؟


أخبار بارزة, خاص 7 شباط, 2023

لا بدّ أن يشكّل الزّلزال الّذي دمّر مناطق في تركيا وسوريا، جرس إنذارٍ لشبه الدّولة اللّبنانيّة، لتفعيل خطّةٍ مُحكمةٍ للطّوارئ بمواجهة الكوارث الطّبيعيّة، وإجراء مسحٍ دقيقٍ للأبنية المتصدّعة والمهدَّدة بالسّقوط، تمهيدًا لترميمها أو تدعيمها أو ربّما هدمها.

كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:

أربعون ثانيةً في عمر الحياة، لا تساوي شيئًا، لكنّها كانت كفيلةً لرسم خطّ النّهاية لحياة آلاف الأبرياء، وإيقاظ شبح الخوف والرّعب والقلق في نفوس الملايين. أربعون ثانيةً هدمت أحلامًا وروابط ومساكن، وفكّكت أُسرًا ويتّمت أطفالًا وشرّدت عائلاتٍ بأكملها، ودمّرت مئات السّنوات من الحضارة. وهنا فعلًا يمكن القول إنّ من نجا من هذه اللّحظات المرعبة، يكون قد كُتب له عمرٌ جديدٌ.

فجر أمس الإثنين، استفاق سكّان لبنان على هزّةٍ أرضيّةٍ عنيفةٍ، نتيجة زلزالٍ بقوّة 7,7 درجات ضرب ولاية قهرمان مرعش جنوبي تركيا، وطال عددًا من المدن السّوريّة، كما شعر بارتداداته سكّان بعض الدّول العربيّة؛ حاصدًا آلاف الأرواح ومُخلِّفًا دمارًا وخسائر فادحة.

إزاء ذلك، هرع بعض اللّبنانيّين إلى الشّوارع خوفًا من انهيار المبنى الّذي يقطنون فيه، منهم من تسمّروا في أماكنهم من شدّة الخوف ولجأوا للصّلاة، ومعظمهم تصفّحوا مواقع التّواصل الاجتماعي، لمعرفة طبيعة ما شعروا به. الحالة الهستيريّة الّتي عاشها المواطنون، ليست مستغرَبةً، فهُم لم يتعافوا بعد من “trauma” انفجار مرفأ بيروت، وكلّ اهتزازٍ أو صوتٍ قويٍّ، يفتح صندوقًا من الذّكريات المُرّة والسّوداء الّتي خلّفها 4 آب 2020. كما أنّ الهزّة أعادت إلى الواجهة ملفّ الأبنية القديمة والمتصدّعة، الّتي جنّبَنا انهيارها كارثةً جديدةً لا تُحمد عقباها.

في هذا الإطار، تلفت رئيسة “الهيئة اللّبنانيّة للعقارات” المحامية أنديرا الزهيري، في حديث لـ “هنا لبنان”، إلى “أنّنا سبق وحذّرنا مرارًا من أنّ هناك نحو 16 ألف مبنى على الأراضي اللّبنانيّة، مهدّد بالسّقوط. في محافظة بيروت فقط هناك 10460 مبنى، وفي طرابلس هناك نحو 4 آلاف مبنى آيل للانهيار، وأقلّ عاصفةٍ أو هزّةٍ أرضيّةٍ أو زلزالٍ تؤثّر عليها”. وتشير إلى “أنّنا شهدنا تداعيات انفجار المرفأ على بيروت، وقد تبيّن بعد المسح الجزئيّ أنّ هناك 84 ألف وحدةٍ متضرّرةٍ في العاصمة”.

وتوضح أنّ “غياب الصّيانة، قِدم عهد البناء، العواصف والزّلازل، قوانين الإيجارات القديمة والحروب الّتي مرّت على لبنان، هي أسباب أساسيّة لكون المباني القديمة معرَّضةً للسّقوط أو الهريان والتّصدّع؛ والزّلزال الّذي ضرب تركيا أمس فاقم المشكلة”، مبيّنةً أنّه “لم تعد لدى السّكان حتّى في الأبنية الجديدة، القدرة على القيام بالصّيانة أو التّرميم، بسبب غلاء أسعار المواد المستخدَمة والانهيار الاقتصادي”.

وكمعظم الملفّات الحسّاسة في البلد، نجد أنّ الدّولة والجهات المسؤولة هي الغائب الأبرز والمقصّر الأوّل بموضوع الأبنية المهدّدة بالسّقوط. وتشدّد الزهيري على أنّ “غياب الرّقابة وعدم قدرة الدّولة على المساهمة في الحدّ من هذه المشكلة، سيوصلاننا إلى أزمةٍ خطرةٍ، و”القنابل الموقوتة” ستبدأ بالانفجار من أقصى الجنوب إلى أقصى الشّمال”، منوّهةً إلى “وجود أبنيةٍ مصنّفةٍ ضمن لائحة الجَرد العام للأبنية التّراثيّة، وهناك شروطٌ معيّنةٌ لترميمها، وتحتاج إلى إذنٍ من وزارة الثّقافة”.

وتركّز على أنّ “البلديّات الّتي من واجبها في بعض الحالات وضع إشارةٍ على العقار أو ترميم مبنى معيّن، فقيرة ولا قدرة لديها على ذلك. كما أنّ لا فنيّين يقومون بمسحٍ ميدانيٍّ حسّيٍّ حقيقيٍّ للأبنية، بالإضافة إلى أنّ القضاء معتكفٌ ولا يبتّ بالأحكام ذات الصّلة”. وتحذّر من أنّ “الخطر لم يعد يقتصر على سكّان المبنى الآيل للسّقوط، بل يمتدّ ليشمل الأبنية المجاورة والمنطقة المتواجد فيها”.

صحيحٌ أنّ شعار “لا داعي للهلع”، اعتمده المركز الوطني للجيوفيزياء التّابع للمجلس الوطني للبحوث العلميّة، بمواجهة الهزّة الأرضيّة الّتي ضربت لبنان، إلّا أنّ ذلك لا ينفي إمكانيّة وجود تداعيات لهذه العوامل الطّبيعيّة على البلد. في هذا السّياق، تفيد رئيسة الهيئة بأنّ “تداعيات الهزّة ستكون تدريجيّةً، ولن نشعر بها الآن، لكنّها بالتأكيد أثّرت على أساسات المباني”.

وتؤكّد الزهيري أنّ “الهيئة العليا للإغاثة وهيئة إدارة الكوارث ووزارة الدّاخليّة والبلديّات، هي الّتي يجب أن تهتمّ بحماية المواطنين وسلامتهم وأمنهم. لكن في هذه الظّروف، التفتّت الّذي يصيب أركان الدّولة والإدارات والقضاء والغلاء والكوارث الطّبيعيّة… عوامل ستساهم في تفاقم المشكلة، وستكون لها عواقب وخيمة”، مشدّدةً على أنّه “في حال حصول انهيارات لا سمح الله داخل المنطقتَين الأكثر اكتظاظًا، أي بيروت وطرابلس، ستكون تداعياتها أفظع من الحرب”.

هذه المرّة “زَمَطنا” بأعجوبةٍ، لكن لا بدّ أن يشكّل الزّلزال الّذي دمّر مناطق في تركيا وسوريا، جرس إنذارٍ لشبه الدّولة اللّبنانيّة، لتفعيل خطّةٍ مُحكمةٍ للطّوارئ بمواجهة الكوارث الطّبيعيّة، وإجراء مسحٍ دقيقٍ للأبنية المتصدّعة والمهدَّدة بالسّقوط، تمهيدًا لترميمها أو تدعيمها أو ربّما هدمها. فهل يتحرّك المعنيّون بمواجهة القنابل الموقوتة، قبل وقوع الكارثة؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us