هل من يبادر؟
النظام الاقتصادي برمته يحتاج إلى إعادة نظر جذريّة يُتاح من خلالها إعادة الاعتبار إلى مفهوم العدالة الإجتماعيّة في رسم السياسات الاقتصاديّة والإجتماعيّة والمعيشيّة، التي من شأنها تطوير الأرياف وتحريك الدورة الإقتصاديّة فيها والخروج من حالة الإهمال المزمن..
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
لم تعد الحلول الترقيعيّة في المجال الاقتصادي والمالي تنفع على الإطلاق، ذلك أن دائرة الانهيارات آخذة في الاتساع التدريجي الذي يسير في اتجاهات خطيرة عنوانها الأساسي التفلت التام من كل القيود التي يمكن أن توفر الحد الأدنى من الاستقرار المالي الذي يحتاجه أي بلد للنمو والنهوض، لا بل الاستمرار.
إن سياسة شراء الوقت بانتظار انطلاق الإصلاحات الإقتصاديّة الجديّة قد استُنفذت بالكامل كما أن جميع أدواتها التنفيذيّة قد استهلكت، والمواطن اللبناني أصبح منهكاً تماماً ولم يعد قادراً على مواكبة تقلبات الأسعار، بل ارتفاعها المطّرد والجنوني بكل ما للكلمة من معنى، خصوصاً تلك الشريحة الأوسع من المواطنين الذين تنحصر مداخيلهم بالعملة الوطنيّة وقد تآكلت قيمتها الشرائيّة تماماً ولم تعد تكفي لسد الحاجيّات الأساسيّة والبديهيّة للعيش اللائق والكريم.
كيف وصلنا إلى هنا؟ السؤال مهم ومهم جداً لأن من شأن الإجابة عنه تحديد المسؤوليّات عمّا آلت إليه الأمور من تدهور دراماتيكي غير مسبوق، ولأن من شأن الإجابة عنه أيضاً استخلاص الدروس والعبر كي لا تتكرّر هذه السيناريوهات الجهنميّة في المستقبل.
ولكن الأهم أن يصل اللبنانيون، لا سيّما صنّاع القرار منهم، إلى قناعة أن النظام الاقتصادي برمته يحتاج إلى إعادة نظر جذريّة يُتاح من خلالها إعادة الاعتبار إلى مفهوم العدالة الإجتماعيّة في رسم السياسات الاقتصاديّة والإجتماعيّة والمعيشيّة، كما إلى مفاهيم أخرى مثل الإنماء المتوازن وسواها من الخيارات الكبرى التي من شأنها تطوير الأرياف وتحريك الدورة الإقتصاديّة فيها والخروج من حالة الإهمال المزمن والمتمادي للأطراف وسوى ذلك من السياسات التي تصب في إطار تطبيق الوظيفة الاجتماعيّة للدولة.
ليس المطلوب حتماً الإنقضاض على المبادرة الفرديّة أو مبدأ الملكيّة الخاصة والعودة إلى تجارب اقتصاديّة فاشلة جرّبتها دول كبرى فيما سبق عندما صادرت كل أشكال الحريّات، ومن بينها الحريّات الاقتصاديّة ووصلت إلى نتائج كارثيّة ومزرية. ولكن، في الوقت ذاته، ترك الأسواق رهينة السياسات المركنتيليّة الجشعة يفضي إلى نتائج لا تقل كارثيّة عن تلك.
يستطيع لبنان الخروج من أزمته الاقتصاديّة الخانقة، ويستطيع أن يتجاوز هذه الأزمة التي تكاد تكون “وجوديّة” بفعل ما يرافق الانهيار الاقتصادي من دعوات متصاعدة ومشبوهة لتغيير الصيغة الحاليّة نحو الفدراليّة أو التقسيم أو ما بينهما. يستطيع لبنان إطلاق الإصلاحات المطلوبة محليّاً ودوليّاً بدءاً من قطاع الطاقة الذي استنزف الخزينة على مدى سنوات طويلة دون أن تنعم البلاد بالتغذية المتواصلة المطلوبة أسوة بكل دول العالم.
نعم، يستطيع لبنان أن يستعيد بعضاً من حضوره وألقه الدولي بقليل من الخطوات السياسيّة والاقتصاديّة والإصلاحيّة الحكيمة بعيداً عن المناكفات والتجاذبات الفئويّة الرخيصة. ولكن، هل من يبادر؟
البداية من انتخاب رئيس للجمهوريّة!
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |