الراعي والذئب
دليل أوضح إلى عدم شمول العقوبات، اليوم، المساعدات الإنسانية، أنّ أغلب دول العالم والمنظمات الدولية السياسية، كالاتحاد الأوروبي، والإنسانية كالصليب الأحمر، والهلال الأحمر، لم تتوانَ عن تقديم العون اللازم لسوريا (وتركيا)، عيناً ونقداً..
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
لا أعرف مصدر عبارة “هناك خيرٌ في كل شر”، ويتْبعها البعض بعبارة “وهناك شر في كل خير”، وقد حلّت الاثنتان في ذهني، عند متابعة “استنفار” حلفاء النظام السوري، لتوجيه “دروس” إلى المجتمع الدولي ليتعاون مع هذا النظام في درء النتائج القاتلة للهزة الأرضية التي أصابت مناطق سورية، تحاذي مناطق هائلة مدمرة من تركيا، علماً بأن الجل الأعظم من التدمير يقع في مناطق نفوذ المعارضة التي تحاذي المناطق التركية المنكوبة، وتتصدى لاعتداءات النظام على حريات السوريين وحقوقهم، وترفض التسليم بسلطته.
ربما استنتج النظام خيراً له في بلاء السوريين بالهزة، فسعى، وحلفاؤه، إلى استخراج تأشيرة مزورة للانسحاب من قيود “قانون قيصر” الأميركي لحماية المدنيين في سوريا وهو اسمٌ للعديد من مشاريع القوانين المقترحة من الحزبين، الجمهوري والديموقراطي افي الكونغرس الأميركي موجّهة إلى الحكومة السورية، تحديداً نظام الأسد، وجرائمه ضد السوريين، وقعه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في كانون الأول 2019، في محاولة لتحديد أطر لحماية المدنيين، وقد أضاف المشرّعون بنوداً تستثني المساعدات الإنسانية من العقوبات، عبر إعطاء الرئيس الأميركي صلاحية عدم فرض العقوبات على المنظمات غير الحكومية التي توفر المساعدات الإنسانية لسوريا.
استبقت إدارة ترامب تمرير القانون برسائل شفهية وتهديدات مبطنة للدول الأوروبية والعربية لحثّها على عدم فتح قنوات دبلوماسية مع سوريا، وذلك بهدف ثنيها عن الاستثمار في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام. فقد كان هدف «قانون قيصر» الأساسي ترجمة تهديدات الإدارة بطريقة ملموسة، وتوفير الدعم لها في مساعيها، من خلال فرض عقوبات اقتصاديّة وماليّة على الدول والأفراد الذين يسعون للانخراط في جهود إعادة الأعمار.
تجاهل قرار توجه الوفد الوزاري اللبناني هذه النقطة تحديداً، وأطلقت جوقات الحزب المسلح أناشيدها، عبر الإعلام، لتزوير الحقائق بالدعوة إلى رفع العقوبات الأميركية عن النظام، بحجة أنها تعرقل وصول المساعدات، بحيث ينفض يديه من دم ضحاياه من المعارضة، ويرتدي ثوب البراءة ويعزز قبضته على أهل سوريا، علماً أن المشرعين الأميركيين ضمّنوا النص بنوداً تستثني المساعدات الإنسانية من العقوبات، ولا تجيز للرئيس الأميركي فرض العقوبات على المنظمات غير الحكومية التي توفر المساعدات الإنسانية لسوريا.
كانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات مختلفة على سوريا منذ عام 1979، سواء بسبب دعمها للإرهاب أو احتلالها للبنان أو سعي النظام للحصول على أسلحة دمار شامل وبرامج صواريخ. وتم تمديد نظام العقوبات هذا تحت إدارة باراك أوباما بعد اندلاع الصراع في آذار 2011. لكنّ لغة العقوبات في “قانون قيصر” اختلفت، إذ ركّز المشرّعون فيها على استهداف 3 أنظمة وتوابعها: النظام السوري ومؤسساته، والنظام الروسي والمسؤولين فيه، والنظام الإيراني ووكلائه.
دليل أوضح إلى عدم شمول العقوبات، اليوم، المساعدات الإنسانية، أن أغلب دول العالم والمنظمات الدولية السياسية، كالاتحاد الأوروبي، والإنسانية كالصليب الأحمر، والهلال الأحمر، لم تتوانَ عن تقديم العون اللازم لسوريا (وتركيا)، عيناً ونقداً، من دون عراقيل، حتى أمام ما يجيء من إيران إلى حليفها الأسد، والتي تدّعي بطولة في ذلك، وتزعم أن “العديد من الدول تخطت “قانون قيصر”، بل وتحدّته، وفي مقدمها الجمهورية الإسلامية الايرانية”.
الخلاصة أن “حدّوتة” الراعي والذئب لم تنجح، وأن “دون كيشوت” رواية قديمة!
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |