حتّى النفط أسّسه رفيق الحريري.. الجسر لـ “هنا لبنان”: الشهيد كان يبتدع الحلول بعبقرية استثنائية
كان الرئيس الحريري قادرًا على قيادة البلاد في وجه أفدح المشاكل وأكبر الكوارث، وكان يمنح اللبنانيين والعالم ثقة صلبة يفتقدها لبنان اليوم، وسرّ انتزاع هذه الثقة هو باختصار “تنفيذه لكلمته”.
كتبت بشرى الوجه لـ “هنا لبنان”:
“يا حرام على لبنان.. كل يوم يمرّ نعرف قيمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري أكثر وندرك فداحة خسارتنا أكثر”، بهذه العبارات يستذكر النائب السابق سمير الجسر، الرجل الذي ارتبطت مسيرته السياسيّة به منذ مطلع التسعينيّات.
“14 شباط هي مناسبة نستذكر فيها الوجع الذي أصابنا في عام 2005، والذي لا شكّ أنّ تداعياته لا تزال تُلاحقنا حتى يومنا هذا”، يقول الجسر، “اليوم أتذكّر هذا الرجل بكل أبعاده الإنسانية والفكرية والرؤيوية، ومنذ اغتيل كنت قد قلت إنّ كل يوم يمرّ سنكتشف فيه أننا سنفتقد لهذا الرجل ولعمله”.
رجل الحلول
اليوم وفي ظل الأزمات المتفاقمة والسجالات المستعرة، يشعر غالبية من عاشوا في زمن رفيق الحريري أنّ لبنان لم يكن ليعيش انهيارًا مأساويًا كالذي يمرّ به لو كان الحريري على قيد الحياة.. فالبلد كان سيكون “ماشي.. والشغل ماشي”، وكل مشكلة كان “سيحلّها الحريري”.
لم تخلُ قبّعة الحريري يومًا من الأرانب، فـ “لو كان هذا الرجل موجودًا لما توالت على لبنان كل هذه الأزمات التي نمر بها منذ استشهاده وحتى اليوم”، هذه هي قناعة الجسر الذي يستذكر مع “هنا لبنان” قصصًا وأحداثًا عن الرئيس الحريري، في ذكرى استشهاده الـ 18.
“الحريري لم يكن رجلاً رؤيوياً فقط، إنما “رجل عمل”، وواحدة من أهم الصفات في شخصيته أن لا شيء يُفزعه، فهو عندما كان يرى المشكلة كانت تستنفر كل حواسه حتّى يبتدع الحلول بعبقرية استثنائية”، هكذا يصفه الجسر.
إعادة لبنان إلى الخارطة السياسية
يسرد الجسر ما فعله الحريري وقت معركة “عناقيد الغضب”، بسفره إلى الدول الغربية التي فتحت له الأبواب، والذي “أبهر الناس”، لكن ووفقًا له، فإنّ “ما حصل كان الجزء البسيط من الصورة، فيما الجزء الأهم، كان في إعادة الرئيس الحريري لبنان على خط الخريطة السياسية”.
يتابع: “بعد هذه المعركة وبعد الطريقة التي ظهر فيها على وسائل الإعلام، فُتحت له الأبواب وجعل الدولة اللبنانية هي من تُفاوض، في وقت لم تكن هي من يُساوم، وتحديدًا تمّت أوّل مفاوضات عن طريق الدولة عندما أتى وزير خارجية أميركا وارن كريستوفر إلى لبنان واجتمع بالرئيسين الياس الهراوي ورفيق الحريري وفي البقاع، من وقتها بدأ الحريري بإعادة وضع لبنان على الخارطة السياسية”، وبرأي الجسر، منذ ذلك الوقت بدأت الحرب والحصار على الحريري.
حصار وتضييق.. فاغتيال
“بعدها وبالرغم من فوزه في الانتخابات النيابية بلائحة مهمة، نظراً لكونه كان يخوض الانتخابات لأوّل مرّة، تمّ تأليف حكومة وكانت حصّته الوزارية 5 من أصل 30 وزيرًا، ثمّ في عام 1989 وبعد انتخابات رئاسة الجمهورية، حاولوا وبشتّى الطرق أن يجعلوه ينفر من البقاء برئاسة الحكومة، من خلال إظهاره وكأنّه لا يملك أكثرية، لكنّه استمرّ، وفي عام 2000 استعاد دوره بعد الاكتساح الكبير الذي حقّقه في الانتخابات النيابية، حينها لم يستطيعوا إبقاءه أكثر، فكان الاغتيال في عام 2005”.
نهار 14 شباط 2005، يستذكره الجسر بكل تفاصيله، فهو كان أحد الأشخاص الذين التقوا الرئيس الحريري قبل عملية الاغتيال، “أرسل لي الرئيس للقائه في مجلس النواب، ومن ثمّ جلسنا في قهوة “إتوال”، بعدها قمنا بمقابلة صحفية والوزير نجيب ميقاتي آنذاك والنائب محمد كبارة، مع الاتحاد النسائي، وأخيرًا افترقنا لطلبه مني متابعة أمرٍ انتخابي”.
لم يكن الحريري يتوقّع اغتياله، إذ يقول الجسر: “قبل أسبوعين من الحادثة، كنت قد قلت له إنّه يجب عليه أخذ احتياطاته، لأنّهم لا يملكون ذمّة ولا ضميراً، ولا نعرف ما يُمكن أن يحدث، لكنّه كان واثقًا بأنّ لا شيء سيحدث، إذ ردّ: “ما حدا بيسترجي يعمل شي”.
مَن قتل الحريري يعرف تمامًا ما الذي فعله، يؤكّد الجسر، “فاغتياله تمّ للحؤول دون قيامة لبنان التي عمل من أجلها الرئيس الحريري، من خلال استعادة القرار السياسي والسيادة. هم أزاحوا من وجههم الشخص الذي وقف بوجه مشاريعهم التي تتعارض ومصلحة البلد”.
ثقة صلبة
كان الرئيس الحريري قادرًا على قيادة البلاد في وجه أفدح المشاكل وأكبر الكوارث، وكان يمنح اللبنانيين والعالم ثقة صلبة يفتقدها لبنان اليوم، وسرّ انتزاع هذه الثقة هو باختصار “تنفيذه لكلمته”، إذ يقول الجسر: “الثقة مرتبطة بشخصه، فدول الخارج لا تستجيب لكل من يطلب المساعدة، هم يتطلّعون إلى رجل ناجح، يستلم أي ملف ويعمل عليه، وهذا ما كان يملكه الرئيس الحريري، هو كان يعرف مطالبه ويحدّدها، ويعرف ما يُمكن تحقيقه، فمثلًا، بعد مؤتمر باريس 1 طلبت سلسلة إصلاحات وكل ما طُلِب نُفِّذ، إن كان دفع الديون في أوقاتها أو القيام بمشاريع قوانين إصلاحية وتطبيقها، وعلى هذا الأساس أقيم “باريس 2″، والنجاح الذي حُقّق وقتها كان الفضل فيه يعود للرئيس الحريري، ومن بعدها وبكل أسف لم يعد هناك من يُنفّذ، رغم محاولة الرئيس سعد الحريري عن طريق مؤتمر “سيدر” القيام بالإصلاحات المطلوبة لكنّ المماحكات والظروف الحكومية وقتها حالت دون ذلك، وبذلك فوّتنا فرصة ممتازة كانت ستجنّب لبنان أزمته التي بدأت في عام 2009″.
النفط.. والجيران
يشاركنا الجسر قصّة لم يتحدّث عنها سابقًا عبر وسائل الإعلام، فيُخبر: “صاحب الفكرة بعملية النفط والغاز في لبنان هو رفيق الحريري، ففي تشرين الثاني عام 2000، كشف الحريري خلال جلسة مجلس الوزراء التي كان يجتمع قبلها برئيس الجمهورية، عن احتمالية وجود نفط وغاز في لبنان، بحسب ما قاله له الأصدقاء الغربيون الذين كلّفوا شركة إنكليزية بالقيام بعملية مسح زلزالي كانت نتائجها جيّدة وواعدة، ولكنّه قال لنا أيضًا أنّ هذا لا يعني أن هناك حتمية بوجود نفط وغاز، لأن ذلك لا يتم إلّا عبر تنفيذ حفريات ومعرفة ما إن كان النفط الموجود هو اقتصادي أم لا، حينها سأله جميع الوزراء “في أي منطقة؟ فردّ “هلق ما فينا نحكي”.
يُتابع: “بعد الانتهاء من الجلسة ذهبت إلى منزله، وسألته لماذا لم تفصح عن المكان الذي يحتمل أن يكون فيه نفط، أجابني بكلمة مختصرة، وهي “شو بدّك بهالشغلة، أجّل الموضوع”، لكنّ الموضوع بقي في بال الجسر، كما يقول، فـ “قبل استشهاد الرئيس بنحو شهرين، ذكّرته بما بشّرنا به قبل أربع سنوات، فقال لي: “إذا قلنا أين.. ما منخلص من الجيران”، فسألته “أيّ جيران”، ردّ: “الاثنين”.
وما حدث اليوم في صعوبة الوصول إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، ومشكلة الحدود مع سوريا التي نتمنّى ألّا تكون بصعوبة الأولى، هي خير دليل على رؤية الرئيس الحريري وحكمته، كما يقول الجسر.
مواضيع مماثلة للكاتب:
نبيل مملوك.. صحافي تحت تهمة “الرأي المخالف” | استهداف الجيش وقائده في غير محلّه.. “اتهامات سطحية لدواعٍ سياسية” | إسرائيل “تنهي الحياة” في القرى الحدودية.. ما الهدف من هذا التدمير الممنهج؟ |