14 شباط تاريخٌ اغتال وطناً… داوود الصايغ لـ “هنا لبنان”: نأسف لعدم تطبيق العدالة في قضية الرئيس الشهيد!
اليوم نستذكر الرئيس رفيق الحريري بغصّة وحنين إلى الرجالات الكبار أمثاله، فلا نجدهم، لأنّ طينة رجالات الدولة قد ولّت على ما يبدو إلى غير رجعة
كتبت صونيا رزق لـ “هنا لبنان”:
قبل 18 عاماً وعلى أثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، خلال تفجير موكبه في قلب العاصمة بيروت، حدث زلزال سياسي وأمني شكّل منعطفاً قلب كل المقاييس، بعد غياب علامة فارقة في السياسة اللبنانية والعربية والدولية، نسجت العلاقات مع كل الدول العظمى ومن الباب العريض، فكانت من المؤثرين الكبار في كل المواقع، ولا يزال اسمها يصدح حتى اليوم.
وعلى صعيد الداخل، فاغتيال تلك الشخصية المميّزة دفع بأكثر من نصف اللبنانيين إلى تظاهرة شعبية في ساحة الشهداء، بطلب من شخصيات سياسية من طوائف مختلفة تحت عنوان انتفاضة الشعب، التي تمثّلت أهدافها بضرورة إنهاء الاحتلال السوري للبنان، وتكوين لجنة دولية للتحقيق في اغتيال الشهيد، ورحيل النظام اللبناني- السوري، واستقالة مسؤولين أمنيّين وتنظيم انتخابات نيابية نزيهة، وإلى ما هنالك من مطالب صبّت في خانة تحقيق استقلال لبنان.
تلك الانتفاضة استطاعت تحقيق بعض أهدافها، على الرغم من الضغوط التي كانت تطوّقها، فسقط لها إزاء ذلك قافلة من شهداء ثورة الأرز، بعدما تمكنّت من جذب اللبنانيين التوّاقين إلى الحرية والسيادة، وإلى قيام دولة قوية مبنية على مؤسسات تحترم القوانين، وتعتمد الديموقراطية والحرية أساساً لنظامها السياسي، أي دولة خاضعة فقط لإرادة شعبها، فجمعت أفرقاءَ لطالما كانوا بعيدين ضمن مسافات سياسية شاسعة، لكن شعار “لبنان أولاً” جمعهم، فتناسوا الخلافات وتصدّوا للمحور السوري – الإيراني، وللسلاح غير الشرعي وللدويلة داخل الدولة، فوحّدهم أيضاً شعار “لبنان سيّد حر مستقل”، فدافعوا عنه بدمائهم ليسطّروا ملاحم بطولية.
كم نطمح اليوم إلى شخصية شبيهة بالرئيس الشهيد، وإلى إعادة إحياء هذين الشعارين، مع وضع خطة عمل والسير بخارطة طريق جديدة، وإعادة جمع الفريق المشرذم، من خلال صرخة ثورية تعيدنا إلى النضال، وإلى تلك المرحلة المشرّفة من تاريخ لبنان…
اليوم نستذكر الرئيس رفيق الحريري بغصّة وحنين إلى الرجالات الكبار أمثاله، فلا نجدهم، لأنّ طينة رجالات الدولة قد ولّت على ما يبدو إلى غير رجعة، لذا نكتفي باستذكار مَن لا يموتون بل يبقون أحياءً فينا، وفي المناسبة تحدث لموقع “هنا لبنان” مستشار الرئيس الشهيد الذي أصبح لاحقاً مستشار الرئيس سعد الحريري الدكتور داوود الصايغ، وهو من المقربين للرئيس رفيق الحريري، فاستهلّ حديثه عن مشاريع إعادة الإعمار التي برز فيها الرئيس الشهيد، استناداً إلى رؤية تكوّنت لديه في مرحلة الستينات، حين غادر لبنان الذي كان في تلك الحقبة في عز استقراره، فانطبعت في ضميره تلك الفكرة عن لبنان العيش الواحد من مجتمع صيدا المنفتح، ومن الوجود المسيحي في طرابلس، فعاد الرئيس رفيق الحريري بمشروع المساواة في الإعمار، وإعادة تكوين النسيج البشري في لبنان، فعمل ليس فقط على رفع الركام، بل على تحرير النفوس من الركام، الذي كان قد طُبع حينئذ بسبب الحروب التي أدّت إلى التباعد، وانتهت عندما أذنت الظروف الدولية والعربية، لعقد مؤتمر الطائف في العام 1989.
وتابع الصايغ: “في ذلك الوقت كان الحريري يتعامل مع الواقع من المنطلق الإنساني ولفترات طويلة، عبر مؤسسات التعليم لآلاف الطلاب، وبدأ اسمه يظهر بالتزامن مع عمله المتواصل من أجل التوافق والحوارات الداخلية والخارجية، وفي العام 1992 جرت الانتخابات النيابية، فبرز حديث عن إمكانية استلامه السلطة التنفيذية وهكذا كان لتبدأ مسيرته السياسية، وإلى جانب تنفيذه إعادة الإعمار، عمل على إبراز حضور لبنان في الخارج، إذ كانت له علاقات دولية غربية وعربية، وخصوصاً مع الفاتيكان والبابا يوحنا بولس الثاني وكل البطاركة، وفي طليعتهم البطريرك نصرالله صفير، انفتح على الكنيسة وقد توليتُ هذه المهمة، فكنتُ المحاور مع الإسلام المعتدل، إذ كان الحريري يؤمن بأنّ لبنان لا يقوم إلا على جناحيه المسيحي والمسلم”.
وعن الصفات التي تميّز بها الرئيس الشهيد، قال الصايغ: “تميّز بحبه وشغفه لإنهاء أيّ مشروع للبنان، إذ حين كنّا نسأله: “في أيّ وقت تريد أن نسلّمك هذا المشروع”؟ كان يجيب على الفور أريده في الأمس، كان دائماً على عجلة من أمره، ويريد تحقيق كل مشاريعه بسرعة، كان ينام 4 ساعات فقط، ويوقظ الجميع ويسأل عن كل الملفات والقضايا، وهذا يدلّ على مدى حبّه لرؤية لبنان بأفضل حال، كان هذا الوطن هاجسه الدائم، وطموحه جعل بيروت عاصمة دولية، لقد صُدمتُ كثيراً حين اغتيل، ويومها كتبتُ مقالاً تحت عنوان: “لم يكن عنده من وقت للموت” في صحيفة النهار”.
ماذا لو كان اليوم بيننا؟ سؤال طرحناه على الصايغ، فأجاب: “لو كان حيّاً اليوم لما وصل لبنان إلى هذا الدرك الخطر على الإطلاق، بالتأكيد كان استعان بصداقاته وعلاقاته العربية والدولية لإنقاذ البلد، فحتى خصومه وصفوه بقائد السفينة، لقد أحدث استشهاده زلزالاً في أرجاء الوطن”.
وعن غياب العدالة في قضيته إذ لم يتم تسليم المجرمين لغاية اليوم، أبدى أسفه الشديد لعدم تطبيق العدالة، فالقرار صدر عن المحكمة الدولية التي اتّهمت أفراداً من حزب الله، وبقي القرار من دون تنفيذ، ليختم بسؤال: “أين أصبح ذلك التنفيذ”؟!