الحروب المشتعلة والواقع الدولي الجديد!
اليوم بات الوضع أكثر حراجة وحساسيّة. فعلى الرغم من التوترات التي شابت العالم “القديم” في حقبة الحرب الباردة، إلا أن ثمّة موازين قوى بقيت متحكمة بمسار التطورات وهذه الموازين الدقيقة هي التي كانت تحول دون انفلات الأمور وخروجها عن السيطرة.
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
صحيحٌ أن حجم الاكتراث السياسي والإعلامي بالحرب الروسيّة على أوكرانيا قد خفت بعض الشيء ولم تعد عناوين الحرب تتصدّر الأخبار كما في الأيّام الأولى لاندلاعها، ولكن هذا لا يعني أنّ استمرار هذه الحرب ودخولها عامها الأول من دون أفق سياسي يعني أن مفاعيلها السلبيّة قد تراجعت على مختلف المستويات.
لقد تأثر الواقع الدولي بشكل كبير بهذا النزاع العسكري ووضع العالم برمته على شفير الحرب العالميّة الثالثة التي كانت شارفت على الاشتعال مراراً خلال العقود المنصرمة لا سيّما في حقبة الحرب الباردة عندما كانت الثنائيّة القطبيّة توتر العلاقات الدوليّة في بقع جغرافيّة مختلفة حول العالم وتخوض حروبها بالواسطة أو بالوكالة خصوصاً في الدول النامية والفقيرة.
اليوم بات الوضع أكثر حراجة وحساسيّة. فعلى الرغم من التوترات التي شابت العالم “القديم” في حقبة الحرب الباردة، إلا أن ثمّة موازين قوى بقيت متحكمة بمسار التطورات وهذه الموازين الدقيقة هي التي كانت تحول دون انفلات الأمور وخروجها عن السيطرة تحديداً بين الدول النوويّة بما يؤدي إلى فناء البشريّة عمليّاً.
المستفيد الأول اليوم من هذه الحرب وسائر النزاعات المسلحة هو مصانع الأسلحة المتطورة والمدافع والدبابات وسائر الأنظمة الدفاعيّة والهجوميّة والشركات العابرة للقارات التي باتت تسيطر على الحيّز الأكبر من الاقتصاد الدولي وتسيّره بما يتلاءم مع مصالحها المباشرة. حتى أن قادة الدول باتوا يجرون الصفقات الكبرى لمصلحة تلك الشركات العملاقة دون أي اكتراث طبعاً لمعاني سباق التسلح على سكان الأرض والنزاعات السياسيّة التي سرعان ما تتحوّل إلى عسكريّة نتيجة تسلح الدول بدرجات كبيرة.
غنيٌ عن القول، بطبيعة الحال، أن لذلك انعكاسات سلبيّة إضافيّة على باقي القضايا التي تهم سكان الكرة الأرضيّة وتؤثر على مستقبلهم وفي طليعتها قضيّة التغيّر المناخي التي باتت مفاعليها السلبيّة كبيرة جداً وهي تفرض نفسها على الواقع الدولي حتى لو لم تعترف الدول الصناعيّة الكبرى المسؤولة عن التلوث بالدرجة الأولى.
لو أن جزءاً يسيراً من الأموال التي تُخصّص في ميزانيات الدول يُحوّل إلى القضيّة البيئيّة ومحاربة التغيّر المناخي لما كانت وصلت التطورات السلبيّة إلى هذا المستوى، خصوصاً أن الوقت يضيق بالنسبة للعلاجات المرتقبة والمخاطر ترتفع بشكل كبير وتنذر بعواقب وخيمة قبل حلول العام ٢٠٥٠.
إن رؤية التدمير المنهجي الذي يقوده تحالف الشركات الصناعيّة الكبرى مع الدول الصناعيّة الكبرى، في الشرق والغرب، يؤكد أنّ الاهتمام بالبعد الإنساني لم يعد متوفراً حتى ولو صاغت بعض الدول سياساتها في سياق احترام حقوق الإنسان والسعي لتطبيق المواثيق الدوليّة. فالحق الأول، الحق في الحياة، ليس مصاناً، فكيف الحال بالنسبة لما تبقى من حقوق؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |