“العقارية” تكافح الفساد… هل تمتدّ الإصلاحات لتشمل كافّة الإدارات العامة؟
لا يزال الموقوفون من موظّفي الدوائر العقارية ينتظرون الحكم النهائي لملفهم، فهم لا يزالون في السجون منذ شهر تشرين الثاني من دون محاكمة ولا مساءلة.
كتبت ريتا صالح لـ “هنا لبنان”:
“مكافحة الفساد”، “الهدر العام”، و”السرقة في عموم إدارات الدولة والتطرق لموضوع إيرادات الدولة وتوزيع نفقاتها”.. هي عبارات اعتدنا سماعها يومياً في السياسية اللبنانية، إلّا أنّها بقيت حبراً على ورق والفساد ما زال مستشرياً وينخر في المؤسّسات حتى النخاع، والغيمة السوداء لا تزال تتأرجح في سماء لبنان، فالدولة ماضية في انهيارها ولا تحسينات تُذكر..
رياح الانهيار الاقتصادي العاصفة عصفت بكل زاوية من زوايا الدولة وضربت أعمدتها، ممّا شكّل هزة أرضية سياسية-اقتصادية-إدارية لبنانية صعبة، ضعضعت بُنيان المجتمع اللبناني وشعبه ومقوّماته.
فيما تستمرّ التحقيقات في ملفّ التوقيفات في الدوائر العقارية والتي بدأت في أواخر شهر تشرين الثاني من العام 2022، طُرحت العديد من التساؤلات التي بقيت حتى اللحظة مجهولة الحقيقة.
وفي التفاصيل، أوقفت شعبة المعلومات عددًا من موظفي الدوائر العقارية من مختلف المناطق اللبنانية، منها بعبدا، عاليه والمتن والشوف نتيجة قضايا فساد وإثراء غير مشروع وتزوير. ووفق مصادر “هنا لبنان” فعدد الموقوفين في قضاء بعبدا وصل إلى 34 شخصًا، وفي منطقة عاليه بين 12 و13 شخصًا، وفي الزلقا حوالي 15 شخصًا، أمّا في الشوف فلم يتمّ توقيف أي موظف وجميعهم تواروا عن الأنظار، ممّا يشكّل تساؤلات جدّية في هذا الملف. كما تُشير المعلومات إلى أنّه حتى الساعة لم يُعرف السبب الحقيقي لكل تلك التوقيفات، ولم يتم إثبات أي نوع من التزوير. وتُرجح المصادر بأن تكون التوقيفات في “العقارية” ذات هدف سياسي، أو لها علاقة بشكل من الأشكال بمطالب “صندوق النقد الدولي” وشروطه لمساعدة لبنان اقتصاديًا. كما تؤكد المعلومات أنّ قرار التوقيف تعسفي بحق بعض الموظفين، حيث لا يوجد حتى اللحظة أي أدلة تزوير أو فساد أو إثراء غير مشروع بحق العديد منهم.
وفي المقابل، تشير المعلومات نفسها أن الموقوفين ينتظرون الحكم النهائي لملفهم، فهم لا يزالون في السجون منذ شهر تشرين الثاني من دون محاكمة ولا مساءلة.
وفيما التوقيفات مستمرة في ملف فساد الدوائر العقارية، ثمة أمور غريبة تحصل، حيث أن “العقارية” لم تكن تخلو من المواطنين والمحامين الذين كانوا ينتظرون إنهاء معاملاتهم بسرعة، وذلك قبل رفع التعرفة على تسجيل العقارات. كما تؤكد المصادر لـ “هنا لبنان” أنه لم يتم التدخّل من قبل أي طرف سياسي لمعرفة حيثية هذا الملف، وخلاصته، فيما أنه من المعروف في لبنان أن كل طرف سياسي لديه موظفيه في إدارات الدولة… هذا ما يطرح علامات استفهام كبيرة عمّا يحصل اليوم في “العقارية”، وسط غموض كبير يحيط بغياب التدخلات السياسية ولأول مرّة في هكذا ملف. كما تشير المعلومات إلى أنّ عدداً كبيراً من الموظفين الموقوفين محسوبون على وزير المالية، وهو حتى اللحظة لم يتدخّل بملفهم.
في المقابل، كشفت مصادر خاصة لـ “هنا لبنان” أنّه منذ نحو سنة تقريبًا، أحد الموظفين في دائرة الشوف العقارية زوّر وسرق طوابع من المعاملات الرسمية وتم تغطيته من قبل وزير المالية ومدير الشؤون العقارية ولم تتمّ محاسبته بأيّ شكلٍ من الأشكال.
في لبنان، وعلى مرّ عهود، اعتاد المواطن على رشوة موظف الدولة، وذلك لإنهاء معاملاته بطريقة سريعة، أو لحلّ مشكلة معلّقة بملفّ ما… ممّا يؤكّد أنّ الفساد ليس “ابن مبارح”، فقد تربّع وعشعش في عقول الناس، وأصبح حالة عادية في حياة أي مواطن لبناني.
أمّا اليوم، فالكارثة الحقيقة الكبرى تكمن في تكدّس المعاملات في المالية، في حالة مشابهة لما جرى في العقارية. ممّا سيفتح بابًا واسعًا أمام السمسرات والرشاوى، وذلك لتسريع إنجاز معاملات المواطنين… فهل الإصلاحات ستشمل جميع قطاعات الدولة أم أنّ موظّفي الدوائر العقارية سيكونون “كبش محرقة”؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
الصحة الإنجابية في خطرٍ كبير… لبنان كالصين: ولد واحد لكل عائلة! | القطاع التعليمي في لبنان عالق بين “الردّين” و”المفاوضات” | أحداث الجنوب تربك اللبنانيين.. إلغاء رحلات ورفع للأسعار! |