“الهزّة” كشفت “العطب” في مباني شمال لبنان .. و”الإسمنت” تساقط على رؤوس المواطنين!
شمال لبنان كان في قلب هذا الخوف، لا سيّما وأنّ العديد من الأبنية شمالاً مهدّدة أساساً بالسقوط حتّى قبل حدوث الهزة وذلك لا يعود لقدمها بقدر ما يعود لإهمال المعنيين..
كتبت هانية رمضان لـ “هنا لبنان”:
“لبنان واقف على هزّة”، هذه العبارة تلخّص مشهد المواطنين وهم يغادرون هلعاً أبنيتهم المتهالكة خوفاً من انهيارها، سيّما وأنّ الهزّات الارتدادية الأخيرة قد أحدثت تشققات وتصدّعات في العديد من المباني.
شمال لبنان كان في قلب هذا الخوف، لا سيّما وأنّ العديد من الأبنية شمالاً مهدّدة أساساً بالسقوط حتّى قبل حدوث الهزة وذلك لا يعود لقدمها بقدر ما يعود لإهمال المعنيين.
“هنا لبنان” جال في بعض أحياء طرابلس، وصولاً إلى ساحة النور والتي كانت لها حصّة الأسد من الأبنية المتصدّعة.
في أحد أحياء هذه الساحة، يجلس أبو محمد في دكانه القديم، يشكو الإهمال، وغياب السلطة المحلية عن ملف الأبنية المهددة بالسقوط، فالرجل الخمسيني الذي عايش الكثير من الأزمات، يعدّ اليوم الساعات قلقاً من سقف يقع على رؤوس عائلته، معلّقاً: “قبل الهزة الأرضية قام العديد من المعنيين بالكشف على سلامة هذا المبنى وقالوا إنّه معرض للانهيار ويجب إعادة تأهيله، وها نحن ننتظر فرق التأهيل حتى يومنا هذا ولكن أين هم؟”
“ما حدا بالو فينا”، يضيف أبو محمد، موضحاً أنّ أغلب المباني في أحياء ساحة النور غير صالحة للسكن.
الأبنية الحديثة في ساحة النور ليست أفضل حالاً، فقد علمنا أنّ مرسوماً سابقاً قد صدر، ونصّ على إلزام المباني التي تم تشييدها بعد عام 2005 باعتماد معايير مطابقة للسلامة ومن بينها مقاومة الزلازل حتى 6.6 درجات، غير أنّ تطبيق هذا المرسوم على ما يبدو لم يتحقّق على أرض الواقع، فأحد هذه المباني – الجديدة – تشقّقت جدرانها وانهارت أجزاء منها.
أحد السكّان الذي غادر مبناه خوفاً من التشققات، يتحدّث لـ “هنا لبنان” عن لحظات الرعب التي عايشوها خوفاً من انهيار المنزل، ليقاطعه جاره قائلاً: “بعضنا لا مكان آخر له، فأنا لا يمكنني الانتقال، ولا حلّ أمامي سوى البقاء هنا وانتظار القدر”.
وعند سؤاله عن أيّ أقرباء له يلجأ وعائلته إليهم، تأتي الإجابة الصادمة “هم يسكنون في مبنى مجاور وهو أيضاً ليس آمناً”!
هذه المشاهد تحيلنا إلى سؤال لا بدّ منه: من يتحمّل المسؤولية؟
المهندس المعماري وسيم ناغي يشير في اتصال مع “هنا لبنان”، إلى أن أغلب المباني الموجودة في شمال لبنان وتحديداً في طرابلس وعكار معرضة للانهيار، كما في سهل البقاع والهرمل والجنوب وغيرها من المناطق، ولكن الكثافة الأعلى تكمن في هذه المنطقة لأنها بعيدة عن اهتمام الدولة ونسبة الفقر فيها تفوق غيرها من المناطق.
وأضاف ناغي أن الاستهتار ناتج عن غياب المحاسبة والرقابة وتغييب دور المهندسين، والسماح بإصدار قوانين تسمح ببناء مساحات صغيرة دون العودة إلى المهندس كحل لأزمة السكن، الأمر الذي ساهم بفتح أبواب من المخالفات، بالإضافة إلى السماح ببناء طوابق عليا إضافية بدون تراخيص بهدف جباية الرسوم، وهذا كله ناتج عن جهل الواطن الذي يعتقد أنه تخلص من أتعاب المهندس ورسوم الترخيص بينما هو المتضرر الأول.
وشدد ناغي أنّ المسؤولية الكبرى تقع على غياب الرقابة عند التشييد، إذ لا يتمّ اتباع المخططات التي تراعي السلامة العامة، كما أنه أثناء التنفيذ هناك غش “مخفي” لا يمكن مشاهدته أو التدقيق به وذلك من خلال عدم متانة خليط الإسمنت وعدد قضبان التسليح.
وأشار المهندس ناغي إلى أنه لا إدارة جيدة للرقابة للتحقق من تنفيذ شروط السلامة العامة المتعلقة بمتانة الأبنية لصد الزلازل، وهذا الأمر لا ينطبق فقط على لبنان، بل قد تبين أن هناك غشاً من قبل مقاولين البناء في تركيا أيضاً، بالإضافة إلى غياب رقابة البلديات والأجهزة ما أدى إلى اعتقال العشرات من المقاولين. الأمر الذي حصل مسبقاً في العام ٢٠١٩ حيث صدرت أحكام بسجن عدد منهم لأكثر من ١٥ سنة.. فالموضوع ليس بوجود قانون ولكن بتطبيقه.
وحمّل ناغي المسؤولية للمواطن والدولة بالمرتبة الأولى لما وصلت إليه الحال وقال: “نحن ملوك المخالفات في لبنان والتعديات والتهرب من تطبيق القوانين و”الشطارة” في التوفير”، ولذلك سندفع الثمن لأن هذه المباني أصبحت قنابل موقوتة فعند أضعف هزة ستنهار بشكل دراماتيكي ولن تترك المجال أمام السكان لتحتمي تحت الأنقاض ريثما يتم إنقاذهم، أو حتى أنهم لم يتمكنوا من الهروب، فنحن نرجو رحمة الله!” مضيفاً أنه “بعد الأزمة الأخيرة تبين أن الدولة اللبنانية ليست دولة، هي منظومة تعيش منفصلة عن مصلحة المواطن وقضايا الناس، وهذا الأمر ينطبق على السياسات وخطط إدارة الكوارث وما بعد الكوارث أو استباق الكوارث”.
واستذكر ناغي في حديثه انفجار مرفأ بيروت، إذ أنه لولا المبادرات الفردية والجمعيات المحلية والمنظمات غير حكومية ما كانت المنظومة لتحرّك ساكناً!
وفيما يستبعد ناغي حدوث زلازل كبرى في لبنان كالذي حصل في تركيا إذ أن الخبراء الجيولوجيين يقولون أن موقع لبنان على الفالق لا يرجح ذلك، ولكنه يؤكّد أن لبنان ليس بمنأى عن خطر الهزات، ولكن لا يمكن فعل شيء عملياً لأن ما بُنيَ قد بني، كل ما نستطيع فعله هو تدريب الناس على كيفية التعامل أثناء حدوث الهزة لحماية أنفسهم و”نصلي لله” لأن الدولة عاجزة عن التصرف في حال حصلت الكارثة وسنظل في موقع المتسولين للمساعدة على أبواب الدول المانحة!
مواضيع مماثلة للكاتب:
بين النزوح الدراسي والأزمات التعليمية.. مدارس في مهبّ الفوضى | أمان النازحين في قبضة السماسرة.. استغلال وجشع بلا حدود | براءة الأطفال في مهب الحرب.. وجروح نفسية لا تَلتئِم! |