خلافات المالكين والمستأجرين تتمدّد.. المالكون يتوعّدون: “سنأخذ حقنا بيدنا”
حق السكن حقٌّ من حقوق الإنسان وحمايته تدخل في صميم الواجبات الإنسانية للدول والحكومات، ولكن في لبنان يضيع هذا الحق بين المالك والمستأجر وقانون إيجار غير منصف.
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان”:
الخلاف بين المالكين والمستأجرين ليس وليد الساعة فجذوره تمتدّ إلى أربعين عاماً مضت، أربعون عاماً وقانون الإيجارات القديم في لبنان يراوح مكانه رغم كل محاولات تحريكه.
واليوم يعود النزاع إلى الواجهة من جديد، وهذه المرة من باب الأزمة الاقتصادية التي دفعت المالكين للمطالبة مجدداً بتحرير العلاقة الإيجارية في قانون الإيجار القديم “بلغة التهديد”، بعد أن أصبحت أوضاعهم في الحضيض، فهم يعتاشون من بدل إيجارات مدعومة على سعر الصرف الرسمي فيما سعر الدولار في السوق سوداء تخطى الـ 60 ألف ليرة.
يقول رئيس نقابة المالكين باتريك رزق الله في حديث لـ “هنا لبنان”: “عندما يغيب العدل تحل الفوضى ويصبح الخيار الوحيد أمام أيّ مواطن أخذ حقه بيده، وهو ما قد يحصل مع المالكين الذين يحصلون على بدلات إيجار شبه مجانية فيما عائلاتهم محرومة من حقها”.
ويتابع: “منذ العام 2019 والمالكون يعانون من وضع الإيجارات التي تمدَّدت بقوة القانون الذي أعطى للمستأجر امتيازات بفعل بعض الثغرات جعلته يتصرف على أنه صاحب الملك”.
ووجه سؤالاً لمجلس القضاء الأعلى ونادي قضاة لبنان، كيف تقبلون أن يتخلف 24 قاضياً منذ العام 2019 عن دورهم القضائي ويوقفوا البت بطلبات تقدم بها مستأجرون أمامهم للاستفادة من صندوق دعم المستأجرين، فهل أصبح القضاء اختيارياً حيث يعمل على الملفات التي يريدها القاضي ويعفي نفسه من ملفات أخرى؟”
ويضيف رزق الله: “لم يعد مقبولاً أن يتقاضى المالك 30 ألف ليرة لبنانية شهرياً بدل إيجار منزل أو محل أو مكتب بحسب عقد إيجار قديم، فيما المستأجرون والذين هم من أصحاب العقارات قد عمدوا على إقفال المؤجرة في كثير من الحالات لأنّهم يستفيدون من إيجاراتها المجانية. ما يحصل معنا مجزرة حقيقية ووضع المالكين متعثر للغاية وأصبح في الحضيض وغياب العدالة دهور حالنا”.
“المستأجرون القدامى يلجأون إلى منطق البلطجة والسلبطة والاحتلال والمصادرة، ما يدفع الكثير من المالكين إلى إقفال منازلهم وإبقائها فارغة على أن يؤجروها في بلد تسوده الفوضى”، على حد تعبيره.
وفي سؤال عما إذا كان ملف عقود الإيجارات القديمة مسيّس يقول رزق الله أنّ القاضي سهيل عبود أكد للمالكين مراراً أن لا قرار للسياسة بالملف.
ويطالب رزق الله المجلس النيابي بعقد جلسات تشريعية لإنهاء مأساة المالكين قائلاً: “ما يحصل معنا جريمة موصوفة، نحن حُرمنا من الاستفادة من بدلات إيجار عقاراتنا في أصعب الظروف ما جعلنا عاجزين عن تأمين حاجاتنا الأساسية، ومصير المالكين القدامى برقبة كل قاضٍ ورئيس لجنة متخلف عن إصدار قرارته القضائية، وخصوصاً بعدما خسرنا رفيقاً في النقابة لأنه عجز عن تأمين كلفة الطبابة وتوفي في طوارئ إحدى المستشفيات”.
وعند السؤال عن أحوال المستأجرين المتعثّرة يقول رزق الله: “إن المالكين أصبحوا أيضاً من كبار السن وأملاكهم مصادرة منذ ٤٠ سنة، ألا يكفي؟ فهم تحملوا نيابة عن الدولة مسؤولية السكن، يوم كان الدولار بسعر صرف ١٥٠٠، واليوم أصبح ٨٠ ألفاً، فماذا ننتظر؟”
ويسأل: “أليس للمستأجر أبناء؟ إخوة؟ أقارب؟ أوحدنا نتحمل إقامته؟” وطالب المستأجرين بتحمل مسؤولياتهم وخصوصاً الذين يتحدثون باسمهم وهم مهندسون ومحامون”.
أمّا المستأجرون فلهم موقفهم أيضاً، حيث تؤكد المحامية مايا جعارة المستشارة القانونية للجنة الأهلية للمستأجر أن “الدولة اللبنانية تتنصّل من مسؤوليتها تجاه المالك والمستأجر وتجاه الحفاظ على الحق بالسكن ما يولّد مواقف تصعيدية وكأننا في شريعة الغاب”.
وترى أن “كل التهويل الصادر عن المالكين لا فائدة منه خصوصاً وأن من يدّعون الدفاع عن حقوق المالكين هم أنفسهم من يقفون سداً منيعاً أمام أي تعديل، على كلّ من قانون الإيجارات الذي يرعى الإيجارات القديمة (قانون ٢/٢٠١٧) والقانون الحرّ (١٥٩/٩٢) الذي يلزمه ضوابط”.
وتلفت إلى أنّ “قانون الإيجارات الجديد يحررّ الإيجارات القديمة بعد ٩ أو ١٢ سنة من تاريخ نشره أو دخوله حيز التنفيذ، فهذا القانون وباعتراف القاصي والداني هو لمصلحة المالك على كافة الصعد كونه ينص على زيادات كبيرة تصاعدية تلحق ببدلات الإيجار (تصل في السنة السادسة إلى ٤٪ من قيمة المأجور) من جهة، ويحررّ الإيجار من جهة أخرى، أي أن المالك يستعيد مأجوره بعد انقضاء سنوات التمديد الـ٩ أو الـ ١٢ (بحسب مدخول المستأجر)، فالمستأجرون هم الذين يطالبون بإجراء بعض التعديلات وأن يصار إلى إصدار قوانين كسلة واحدة متكاملة مع التحرير، تتضمن خطة إسكانية وإقرار قانون الإيجار التمليكي وغيره من القوانين التي تحمي حق السكن الأساسي و”المقدسّ”.
وتشدّد جعارة على أنّ “تخويف المستأجرين الذين باتوا مخنوقين مع انعدام قدرتهم الشرائية بظل سلطة عاجزة عن حمايتها، بأنّ عقودهم ستحررّ في أواخر العام ٢٠٢٣ هو غير مقبول ومستهجن لا سيّما أن إعادة نشر كامل القانون رقم ٢/٢٠١٧ تمّ بتاريخ ٢٨/٢/٢٠١٧ “.
وتتابع: “القانون ٢/٢٠١٧ هذا قد نصّ في مادته الخامسة عشر صراحة على أن مهلة تمديد الإيجار هي ٩ سنوات لغير المستفيدين من صندوق دعم المستأجرين و١٢ سنة للمستفيدين تبدأ من تاريخ نفاذ هذا القانون الذي هو بطبيعة الحال تاريخ ٢٨/٢/٢٠١٧ لغير المستفيدين، وتاريخ دخوله حيزّ التنفيذ عملاً بالمادة ٥٨ للمستفيدين”.
وتشير جعارة إلى أن “اجتهادات محاكم الاستئناف في بيروت وجبل لبنان أكدّت هذا التفسير المنطقي والقانوني معنا ولا داعي لزعزعة الأمن الاجتماعي بحملات نحن في غنى عنها خصوصاً وأن غالبية المستأجرين القدامى هم من كبار السنّ وخارج التغطية الصحيّة، فاللعب بمصيرهم جريمة كبرى ترتكب بحقهم تحت الذريعة الواهية بعدم وضوح قانون الإيجارات وتهديدهم ظلماً بالسقف الذي يحمي ما تبقى من كرامتهم الإنسانية.”
وتقول: “أنا لا أتعاطف مع المستأجر الجشع الذي يتحايل على القانون، بل أتعاطف مع الأكثرية الساحقة من المستأجرين المغبونين بسبب عدم تدخل الدولة لحمايتهم”.
قضية الإيجارات القديمة في لبنان معقدة وزادتها الأزمة الاقتصادية حدّةً خلال السنوات الأخيرة خصوصاً مع تدهور قيمة العملة اللبنانية وغياب دور الدولة التي يفترض بها استنباط الحلول الوسطية التي ترضي الطرفين، وذلك من خلال إفراج السلطة التنفيذية عن الخطة الإسكانية للدولة من جهة، وقيام السلطة التشريعية بالتدخل الإيجابي في تقريب وجهات النظر بين المالك والمستأجر عملاً بالدور التوفيقي الملقى على عاتقها تفادياً لأي مشاكل لم تكن بالحسبان.
وهنا ترى جعارة أنّ “على السلطة التشريعية إصدار قوانين الإيجارات الثلاثة، السكني القديم والتجاري القديم وقانون حريّة التعاقد ضمن سلّة واحدة، خصوصاً وأن هذا الأخير بحاجة ماسة لإدخال تعديلات عليه بحيث يصار إلى إدخال ضوابط على الإيجار أسوة بكّل بلدان العالم، مثل جعل المدة أطول وربط بدلات الإيجار بمؤشر متحرك غير اعتباطي، وفرض شروط لجودة السكن وغيرها”.
وتختم: “حق السكن من حقوق الإنسان وتشكلّ حمايته عصب الحياة الاجتماعية وهو من صميم الواجبات الإنسانية للدول والحكومات، كونه يمّس الأمن الاجتماعي، فلا يمكن تركه للعرض والطلب ولا يمكن عدم التدخل لحمايته فهو ليس سلعة ولا منتجاً”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
مرسوم دعم متقاعدي الخاص في الجريدة الرسمية…هل تلتزم المدارس؟ | خسائر القطاع الزراعي وصلت إلى 70% ..”والحبل على الجرار” | تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار |