الترشّح هو الخيار الوحيد أمام باسيل
يبدو جبران باسيل أكثر الطامحين لكرسي الرئاسة، وفي الوقت نفسه أكثر المتضررين إذ أنّ الضرر الأول يأتيه من حليفه الأهم والوحيد الذي يتبنى ترشيح خصمه اللدود سليمان فرنجية.
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
الفراغ الرئاسي سيد الموقف! ويبدو أنّ النسيان سيلفّه لفترة طويلة إذ أنّ الخارج يصرّ على أنّه استحقاق لبناني (“ساعدوا أنفسكم لكي نساعدكم”)، والداخل بعضه ممعنٌ في تسلّطه وفساده والبعض الآخر في فشله وعجزه. وتنشيطاً للذاكرة فإنّ الفراغ الذي سبق وساد منذ أيار 2014 تمهيداً لفرض انتخاب ميشال عون رئيساً دام سنتين ونصف السنة. وهذا يعني أنّنا هذه المرة وبعد مرور أربعة أشهر ما زلنا في بداية الطريق، والفراغ بدعة عوّدنا عليها “حزب الله” صاحب النفس الطويل في طحن الوقت، والباع الطويل في تطويع الدستور والقوانين والمؤسسات. فقد وقف مسؤوله الأمنيّ ذات يوم معلناً ضرورة “قبع” المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ، وهذا ما حصل عملياً بعد عدة أشهر. وقد بدأ هذا التآكل يمتد إلى باقي السلطات التنفيذية والتشريعية ليؤكّد – ولو بطريقة سلبية – أنّ رئاسة الجمهورية بعكس ما يعتقد البعض تحتلّ موقعاً أساسياً وتلعب دوراً مفصلياً في تركيبة النظام الديموقراطي اللبناني رغم رهبة السلاح ووهرته.
ومن هذا المنطلق، وللمفارقة، يبدو جبران باسيل أكثر الطامحين لكرسي الرئاسة، وفي الوقت نفسه أكثر المتضررين إذ أنّ الضرر الأول يأتيه من حليفه الأهم والوحيد الذي أجلس حماه عون في قصر بعبدا ويتبنى اليوم ترشيح خصمه اللدود سليمان فرنجية، ومستعد من أجل فرضه لشلّ البلد لأشهر وربما سنوات مثلما فعل من أجل عون رغم الانهيار الشامل والمرعب لمقومات البلد وقدرة ناسه على الصمود. ليس هذا فقط، فإنّ “حزب الله” يمارس على ما يبدو نوعاً من الحصار على باسيل “المتمرد” على قراره بدعم نهج نجيب ميقاتي في تسيير عمل حكومة “تصريف الأعمال” الذي يعتبره باسيل غير دستوري وغير ميثافي، ولكنّه يحتمل أكثر من تفسير وأكثر من اجتهاد. وفي المقابل، يدعم الحزب أيضاً نهج نبيه بري وإصراره على الاستمرار في ما يسميه “تشريع الضرورة” لإقرار مشاريع وقوانين تحتاج معظمها في مطلق الأحوال وفي النهاية إلى موافقة رئيس الجمهورية، فيما يجد باسيل نفسه مضطراً لمجاراة المعارضة، وبالأخص “القوات اللبنانية”، في موقفها المعارض للتشريع قبل انتخاب رئيس الجمهورية كما تنصّ المادة 75 من الدستور: “إنّ المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع فوراً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي أمر آخر”.
وهكذا، حتى أن دور صناعة الرئيس كبديلٍ عن الرئاسة لا يبدو في متناول يد باسيل الذي يجد نفسه عملياً معزولاً بعد أن خسر حليفه حسن نصر الله، وأساساً لا حلفاء آخرين له. فهل من إمكانية لإعادة ترميم العلاقة مع “حزب الله”؟ طالما أنّ فرنجية هو مرشحه فإنّ أشرعة مركب باسيل لا تعدّ صالحة للرجعة، ويبقى أمامه خيار وحيد هو إعلان ترشّحه للرئاسة، بغض النظر عن حظوظ النجاح التي هي عملياً معدومة. الّا أنّ خطوة الترشح هي أضمن وسيلة للحفاظ على الوجود والدور، أقله في المدى المنظور، لكي يحافظ على تماسك كتلته النيابية وشدّ عصبها الذي تتنازعه رياح عواطف تأييد جنرال آخر هو جوزف عون أو المصلحة السياسية الجغرافية (الشمال) أو الانتخابية (النواب الذين نجحوا بفضل أصوات “حزب الله”) مع فرنجية! كما أنّ وقوف باسيل في ساحة المعركة يحرم مرشح “حزب الله” أقله من ستة عشر صوتاً ما يبقيه بعيداً عن أكثرية الـ 65 صوتاً المطلوبة للفوز. وفي المقابل، ترشّح باسيل يحرّر وليد جنبلاط من التزامه تجاه حليفه بري على اعتبار أنه اتّخذ قراراً بألّا يدعم فرنجية إذا كان لا يحظى بتأييد أيٍّ من الكتلتين المسيحيتين اللتين تمثلان الثقل المسيحي السياسي والنيابي الوازن، ما يزيد من صعوبة الثنائي الشيعي في تأمين أكثرية لفرنجية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |