اللبناني في السِّلم يعاني ما لم يعشه في زمن الحرب.. مهن كادت تندثر فأحيتها الأزمة
السياسات الترقيعية المعتمدة لمعالجة الأزمات ألقت المواطن في دوامة من اليأس والإحباط فبات يترحّم على زمن الحرب..
كتبت ريتا صالح لـ “هنا لبنان”:
منذ اندلاع الحروب اللبنانية، وفتح بوابة الدّمار الشامل على اللبنانيين كافة وفي غالبية المناطق، لم يشعر المواطن بالذلّ والجوع والفقر الذي يعيشه اليوم في ظلّ الأزمة الاقتصادية الكبرى التي يمرّ بها لبنان، وتفكك الدولة بإداراتها ومؤسساتها.
هذه الحال من اليأس التي بلغها اللبنانيون اليوم لم يصلوها في زمن الحرب، فقد كان من الطّبيعي أن تترافق الحروب مع المآسي والويلات ولكن أن يحدث ذلك كلّه في زمن يفترض أنّه زمن سلمٍ ودون أيّ بصيص أملٍ بغدٍ أفضل فذلك فعلاً مدعاة لليأس والحسرة..
أفلت شمس “سويسرا الشرق”، وأصبح لبنان من دول الفقر و”التعتير”… بلد الجمال والرقيّ، بلد الكلمة والحرف، وواجهة البلدان العربية وبلدان الشرق الأوسط، أصبح اليوم منهارًا، ضعيفًا، ومكبّلاً بفساد الطبقة السياسية، التي أفسدت مقوماته، وإداراته، ومؤسساته، وبنيته. ما أدّى الى تراجع لبنان تراجعاً ملحوظًا، وجعل المواطنين بحالة “عوز” دائمة..
ولذلك كلّه غابت الكثير من العادات والأمور الأساسية عن حياة المواطن اللبناني، فتخلّى في الآونة الأخيرة عن كل ما لا يُلزمه، وأصبح يلجأ إلى “الترقيع” أو “التصليح”، لأنه غير قادر على شراء الجديد.
الخياطة رندة لفتت في حديث لـ “هنا لبنان” إلى أن الوضع اليوم لم يعد كما كان سابقاً، حيث أنها كانت “ترقّع” الألبسة بطريقة حرفية، لتغيير جزء من قَصّة أو ستيل القطعة. أمّا اليوم فأصبح عملها يقتصر على ترقيع القطعة الممزّقة وإعادة تصليحها عدة مرّات، لأن الزبون لا يستطيع شراء وتأمين بديل، فمن كان يقصدها لتقصير “جينز” أو تضييق “قميص أو فستان”، أصبح اليوم يعتمد على ترقيع القطعة مرّة أو مرتين أو أكثر. ولكن تضيف بأن عدد الزبائن تراجع كثيراً بسبب الغلاء فالدفع أصبح بالدولار، حيث أن كل البضاعة التي تستخدمها للعمل، تشتريها من الأسواق بالدولار ما اضطرّها للتسعير بالدولار، لافتةً إلى أنّ ربحها لم يزِد.
في المقابل، وبسبب الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار أصبح “الكندرجي” يعمل أكثر من السابق، وفق المعلم مارون الذي قال في حديثه لـ “هنا لبنان” أنّه كان قد توقّف منذ فترة طويلة عن تصليح الأحذية، إذ لم يكن لديه عدد كبير من الزبائن، وكانت الغالبية تفضّل شراء حذاء جديد بدلاً من تصليحه، إلّا أنّ الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي لا تزال تعصف بلبنان، قلبت المعادلات فعاد وفتح محلّه، مؤكّدًا أن طلبات الزبائن تكدّست لديه، وازداد عمله في الفترة الأخيرة.
أمّا في ما يتعلّق بالقطع الكهربائية والإلكترونية، أشار أحد العاملين في صيانه الكهرباء لـ “هنا لبنان” إلى أنّ نسبة العمل قد اختلفت هذه الفترة، بحيث أن الناس لم تعد تشتري أي قطعة كهربائية جديدة، بل تلجأ إلى إعادة إصلاحها، أولاً، بسبب كلفتها المرتفعة على سعر الدولار، وثانياً، لأنّها غير قادرة على شراء أي قطعة جديد. لافتاً إلى أنّ البعض يقصدونه حتّى لإصلاح “لمبة led” لأنّهم لا يستطيعون شراء أخرى جديدة فهي مسعّرة بالدولار.
ولكن ازدياد ضغط العمل لدى هؤلاء في الفترة الأخيرة، ولا سيّما مع الارتفاع المستمر للدولار، قابله الارتفاع في أسعار المحروقات ما شكّل أزمة كبيرة لديهم فالمواطنون باتوا يحتسبون حتى المسافة بينهم وبين المكان الذي يقصدونه، كما أنّ أجرة العمّال تختلف من منطقة إلى منطقة، وفارق “الدفع” أحياناً يكون كبيراً…
ممّا لا شك فيه، أن لبنان لم يعد كالسابق وسياسة الترقيع تنسحب على كل الأزمات التي يعاني منها البلد ومواطنوه ولا تقتصر على ملابسهم وأحذيتهم ومقتنياتهم فقط، فإلى متى سيتحمّل اللبناني عبء الأزمة الاقتصادية؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
الصحة الإنجابية في خطرٍ كبير… لبنان كالصين: ولد واحد لكل عائلة! | القطاع التعليمي في لبنان عالق بين “الردّين” و”المفاوضات” | أحداث الجنوب تربك اللبنانيين.. إلغاء رحلات ورفع للأسعار! |