الحالة الانتظاريّة المدمرة!
لم يكن لبنان يوماً منعزلاً عن التأثيرات الخارجيّة في سياسته الداخليّة ولكن هذا الأداء القائم على انتظار الخارج وإشاراته المتناقضة غالباً جعل من الحالة الانتظاريّة في الساحة الداخليّة هي القاعدة وكل ما عدا ذلك هو الاستثناء!
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
بمعزل عمّا إذا كانت بعض القوى السياسيّة المحليّة المعروفة بعمق ارتباطها مع أحد أبرز المحاور الإقليميّة قد اطّلعت مسبقاً على الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية الصين (والواضح أن ذلك لم يحصل!)، إلا أنّ الإصرار على انتظار نتائج ذاك الاتفاق والاستمرار في احتجاز الملف الرئاسي اللبناني سوف يعني المزيد من التدهور والانهيارات التي تتدافع كل يوم في الارتفاع المخيف لسعر صرف الدولار الأميركي.
وفي المقابل، ذهاب بعض القوى اللبنانيّة للرهان على انكسار أحد طرفي الاتفاق الإقليمي الكبير الذي أعاد خلط الأوراق في الشرق الأوسط والمنطقة العربيّة بشكل غير مسبوق، هو أيضاً رهان في غير مكانه والسعي إلى ترجمته في الداخل كانتصار لها لا يتلاءم مع طبيعة المرحلة وتوازناتها حتى ولو اعتبر البعض أننا على مشارف تعديل كبير في موازين القوى.
انطلاقاً من حجم هذا الاتفاق الكبير ومعانيه ودلالاته السياسيّة على المنطقة برمتها، يبدو ركون بعض الأطراف المحليّة على فكرة “تقريشه” لصالحها في المعادلة الداخليّة اللبنانيّة بمثابة مغامرة ستترك تداعياتها على الواقع اللبناني وتدفعه نحو المزيد من الانكسارات التي لا يبدو أن حدودها واضحة بدليل تقهقر العملة الوطنيّة أمام الدولار الأميركي.
من هنا، فإن “الإفراج” السريع عن ملف انتخابات الرئاسة اللبنانيّة هو حجر الزاوية في استعادة المؤسسات الدستوريّة لعملها الطبيعي والانتقال نحو حقبة جديدة يكون عنوانها الإنقاذ الاقتصادي والتعافي الاجتماعي والمالي والنقدي وهو ليس مساراً صعباً أو مستحيلاً متى توفرت الإرادة السياسيّة لذلك.
والمدخل الطبيعي لهذا “الإفراج”، إذا صحّ التعبير، يكون بإقلاع القوى السياسيّة المتناقضة عن التمسك بمرشحين بات معروفاً أن وصولهم إلى سدة الرئاسة الأولى بات صعباً بفعل تركيبة المجلس النيابي وموازين القوى فيه، والذهاب بشكل فوري وطبيعي نحو البحث بخيارات جديدة خصوصاً أن ثمّة شخصيّات وطنيّة لبنانيّة عديدة تحظى بالاحترام وتتمتّع بالخبرة الكافية والمطلوبة لإدارة هذه المرحلة بكل صعوباتها وتعقيداتها.
صحيحٌ أن لبنان لم يكن يوماً منعزلاً عن التأثيرات الخارجيّة في سياسته الداخليّة (ولا سياسته الخارجيّة حتماً)، ولكن الصحيح أيضاً أن هذا الأداء القائم على انتظار الخارج وإشاراته (التي غالباً ما تكون متناقضة بالمناسبة) جعل من الحالة الانتظاريّة في الساحة الداخليّة (والتي من الممكن أن تكون استثناء في لحظة ما) هي القاعدة وكل ما عدا ذلك هو الاستثناء!
إن الجنون اليومي للدولار وجشع التجار وسقوط الطبقة الوسطى وانهيار عدد كبير من المؤسسات في القطاعين العام والخاص يؤسس لحقبة أكثر سوداويّة وقسوة رغم أن تلافيها ممكن ومتاح.
المطلوب أن نجد رجال دولة. ولكن أين هم؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |