الأزمة الاقتصاديّة تقضي على العادات الرمضانيّة: لا زينة ولا حلو ولا عزومات ووداعاً للحم والدجاج
عادات رمضانيّة تراثيّة كافح أجدادنا لإبقائها، قضت الظروف الاقتصاديّة الصعبة عليها، فلم تسلم حتى الطقوس الدينيّة من حالة تضخّم الأسعار التي يعيشها البلد.
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
لرمضان هذا العام طعم آخر، لقمة مغمّسة بالقهر والفقر والحرمان. عادات رمضانيّة تراثيّة كافح أجدادنا لإبقائها، قضت الظروف الاقتصاديّة الصعبة عليها، فلم تسلم حتى الطقوس الدينيّة من حالة تضخّم الأسعار التي يعيشها البلد. ليضحى الشهر الفضيل، عبئاً فوق أعباء المواطنين المعيشيّة وأزماتهم الاقتصاديّة.
وفي هذا الإطار كان لموقع “هنا لبنان” دردشة مع عدد من المواطنين من مختلف المناطق اللبنانيّة، للسؤال عمّا تغيّر عليهم من عادات في الزمن الفضيل. وجاءت الأجوبة على الشكل التالي:
الأحياء انطفأت زينتها والتراويح انتقلت من الجوامع إلى المنازل
تقول نادين ابنة صيدا أنّ “لشهر رمضان هذا العام طعم آخر، مليء بالمرارة، الفراغ والعتمة. فشوارع الأحياء، اعتدنا عليها مزيّنة بالفوانيس الرمضانيّة ومضاءة في ساعات الليل الطويلة، وكنّا نشعر ببهجة العيد، حيث كانت المقاهي والقهاوي تفتح حتى الرابعة صباحا، وتملؤها زحمة الناس. أمّا اليوم فأصبحت شوارعنا مظلمة، أفرغت من ناسها، وكأنّ هناك منع تجوّل بعد الساعة الثامنة مساء. المنطقة ماتت”.
وعن الطقوس الدينيّة تلفت إلى “أننا كنّا نصلّي التراويح في الجامع، أمّا هذه السنة وبسبب كلفة البنزين المرتفعة أصبحنا نصلّي في البيت”.
وحتى الإفطار تغيّر، تضيف نسرين، “فالأصناف نقصت، حيث غابت أقراص الكبة والرقاقات بجبنة وحتى البطاطس المقليّة بعد أن تجاوز سعر الكيلو الواحد الـ70 ألف ليرة. وصار الإفطار عبارة عن الوجبة الرئيسيّة، والتي بمعظم الأحيان تكون نوعاً من اليخنة من دون لحمة أو دجاج، فحتى اللحم والدجاج أصبحنا نتناوله كلّ أسبوعين مرّة، بالإضافة إلى الشوربة والفتوش. أمّا الحلويات، فاختفت عن مائدتنا، واستعضنا عنها بالليمون أو التفاح، بعد أن كانت متوفّرة دائماً في منزلنا طيلة الشهر المبارك. وحتى تقاليد السحور تبدّلت، فبعد أن كنّا نجتمع على مناقيش الزعتر والجبنة، أصبحنا نكتفي باللبنة والمكدوس، أي حواضر البيت، فكلفة مناقيش الزعتر لـ5 أشخاص تتخطى الـ700 ألف ليرة اليوم”.
مليونان ونصف كلفة إفطار لـ4 أشخاص ووداعاً للدجاج واللحم
بدورها تؤكّد زينب، إبنة بلدة صور، أنّ “إفطار رمضان أصبح يكلّف العائلة الواحدة المؤلّفة من 4 أفراد نحو المليون والنصف، بدل طعام مالح، دون احتساب تكلفة الحلويات أو الغاز أو المياه، ووداعاً للدجاج واللحم. حيث قد تتخطى الفاتورة المليوني ليرة ونصف المليون، إذا ما أضفنا التكاليف السابقة. والأزمة ليست مستجدّة، فمعاناة الصائمين في الشهر المبارك “هي هي” منذ بدء الأزمة الاقتصاديّة عام 2019. إلاّ أنّ الأسر التي أصبحت تتقاضى راتبها بالدولار، لاحظت أنّ القيمة الشرائيّة لبعض السلع انخفضت هذا العام مقارنة مع الأعوام السابقة. ولكنّ ذلك لم يغيّر سياسة التقشّف التي أصبحت تعتمدها الأسر اللبنانيّة في إفطاراتها. فنحن على سبيل المثال وعلى الرغم من أنّ قدرتنا الشرائيّة تسمح لنا بشراء الحلويات الرمضانيّة، إلا أننا فضلنا الاستغناء عنها، لتقليص المصاريف، والاستعانة بها في دعوات العشاء حصراً”.
لا عزومات على موائد الإفطار هذا العام: واستغناء عن المعجنات
من جهّته يقول محمد، ابن حارة حريك، “إننا قد اعتدنا في السنوات الماضية، على تنوع الأطعمة في وقت الافطار، حسب رغبة كلّ فرد من أفراد عائلتنا. أمّا هذا العام فاكتفينا بطبخة واحدة فقط، إلى جانب الفتوش والبطاطس المقليّة والشوربة. وطبعاً استغنينا عن المعجنات، كالبيتزا، واللحم بعجين، والسمبوسك، والفطائر. وكنّا سابقاً نتناول الحلويات الرمضانية بعد الإفطار، من كلاج، وقطايف ومدلوقة، أمّا اليوم فأصبحنا نتناول الحلويات مرّة واحدة في الأسبوع أو مرتين كحدّ أقصى، ونكتفي بحبات حلو وفق عددنا، فإذا كنا 6 أشخاص نأتي بـ6 حبات بدل الكيلو أو الدزينة”.
ويلفت إلى أنّ “كلفة المائدة الواحدة لـ 3 أشخاص، من تمر، وجلاب، وفتوش، وبطاطس مقليّة، بالإضافة إلى الطبخة الرئيسيّة (دون لحم أو دجاج) أصبحت تكلّف بحدود المليون ومئتي ألف ليرة”.
ويضيف “اعتدنا في السابق على دعوة الأقارب والأصدقاء إلى مائدة الإفطار، وتبادل الزيارات، أمّا في هذا الوقت الصعب فقلّصنا هذه العزومات، لا بل بمعظمها اختفت، واكتفينا بجمعة العائلة الصغيرة. فمع دخولنا اليوم السادس في رمضان لم نقم بعد بدعوة أيّ من أصدقائنا أو أفراد عائلتنا ولم نتلقَّ دعوة من أحد لحضور الإفطار”.
الحلويات الرمضانيّة لمن استطاع إليها سبيلاً
وفي جردة سريعة قام بها موقع “هنا لبنان” لأسعار الحلويات الرمضانيّة تبيّن أنّ:
– كيلو المدلوقة بـ 800 ألف ليرة
– دزينة الكلاج بمليون و200 ألف ليرة
– كيلو حلاوة الجبن بـ900 ألف ليرة
– كيلو قطايف القشطة بـ 600 ألف ليرة
ويذكر أنّ هذه الأسعار كانت من محلّ الإخلاص والذي يعتبر من محلات الحلويات الرخيصة نوعاً ما مقارنة بالـSea Sweet والـSi Bon والحلاب وغيرها من المحلات المعروفة. حيث ستتخطى كلفة الحلويات الأسعار السابقة بأشواط.
هذا ويصل كيلو الداعوقيّة وهي من الحلويات الرمضانيّة المشهورة لدى أهالي بيروت، ويتخصّص بصناعتها محلّ الداعوق، إلى الـ15$ أمّا الصفصوفيّة والتي يشتهر بها محلّ صفصوف أيضاً في بيروت، فيصل الكيلو منها إلى الـ13$.
الفتوش شاهد على مجزرة الأسعار
وفي حديث خاص لموقع “هنا لبنان” يقول الباحث في الدوليّة للمعلومات “محمد شمس الدين” أن “لا دراسات حتى الآن بخصوص الاختلاف الملحوظ بمائدات الإفطار لدى اللبنانيين في شهر رمضان المبارك، لكونها لا ترتكز على أطباق رئيسيّة تتشاركها جميع العائلات، بالاضافة إلى أنّ اختلاف أسعار المواد الغذائيّة وتبدّلها بين اليوم والآخر وفق تقلّبات سعر صرف الدولار في السوق السوداء يصعّب عمليّة الإحصاء”.
“إلاّ أنّه كان للدوليّة للمعلومات دراسة أعدّتها حول طبق الفتوش والذي يعتبر طبقاً أساسيّاً وثابتاً على جميع موائد الإفطار لدى معظم العائلات اللبنانيّة”، يتابع شمس الدين، “وبإمكاننا الاستناد إليه كمؤشّر، ليتبيّن لنا أن كلفة إعداد طبق الفتّوش ارتفعت من 50 ألف ليرة في عام 2022 إلى 174,127 ليرة لبنانيّة في عام 2023. وبناء على ذلك يمكننا تصوّر مدى الاختلاف الذي طرأ على كلفة الإفطارات في لبنان. فإذا طبق الفتوش والذي تقتصر مكوّناته على الخضار المحليّة، ارتفعت كلفته حوالي الـ4% فما حال باقي الموادّ الغذائيّة، والتي تستورد بمعظمها من الخارج وتضاف إليها الضريبة الجمركيّة؟”
وبحسب الدراسة التي أعدتها الدوليّة للمعلومات ونشرتها على موقعها الإلكتروني، ارتفعت كلفة مكوّنات طبق الفتوش خلال الأعوام الماضية، كما يلي:
– في العام 2020، بلغت 4,250 ل.ل.
– في العام 2021، بلغت 12,287 ل.ل.، أي بارتفاع نسبته 189%.
– في العام 2022، بلغت 50,500 ل.ل.، أي بارتفاع نسبته 311%.
– في العام 2023 بلغ 174,123 ل.ل.، أي بارتفاع نسبته 244.8%.
وإذا ما احتسبنا نسبة الارتفاع في الكلفة من العام 2020 ولغاية العام 2023، نجد أنّها بلغت 3,997%.
وزن الطبق= 1,500غ، كلفته 174,123 ل.ل.، أمّا وزن الوجبة للفرد فهي 300غ= كلفتها 34,825 ل.ل.
وتشير الدراسة إلى أنّه بين شهري رمضان 2022 -2023، ارتفعت أسعار الخضار والمواد التي تدخل في مكوّنات طبق الفتّوش بين 54.8% للملح، و100% للبندورة والخيار، و600% لزيت الزيتون، وصولاً إلى 1,150% للبصل.
وهذا الارتفاع الكبير في الأسعار بالليرة اللبنانية جاء أقلّ من ارتفاع سعر صرف الدّولار، وهذا عائد بشكل أساسي إلى كون هذه الأصناف من المنتجات المحليّة لا المستوردة، وبالتالي لا تتأثّر بارتفاع سعر صرف الدّولار مقابل اللّيرة اللّبنانيّة.