شعب يفضح هُزاله
شعب لبنان أثبت للمرة الألف أنه ليس وطناً، ولا دولة، بل تجمّع لأفراد لهم مصالح في تقاربهم، حين تنفضّ ينفضّون، ويستلّون خناجرهم من أغمادها، وينفثون أحقادهم المتبادلة، ويُظهرون وجههم البشع.
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
المساحة المشتركة بين اللبنانيين كانت الغائب الأكبر عن السجال الطائفي الذي استشرى على امتداد البلد المسمى لبنان، وفضح كون الحوار كذبة وزعم، وأنّ الجميع يغضن حقداً على الآخر لا يمارى، وأن الديموقراطية “زعم لعمر أبيك ليس بمزعم” على قول عنترة بن شداد في تشبيهه محاسن معشوقته عبلة. فشعب لبنان أثبت، للمرة الألف أنه ليس وطناً، ولا دولة، بل تجمّع لأفراد لهم مصالح في تقاربهم، حين تنفضّ ينفضّون، ويستلّون خناجرهم من أغمادها، وينفثون أحقادهم المتبادلة، ويُظهرون وجههم البشع.
ما شهده الأسبوع المنصرم من دناءة طائفية لا ينسحب على كل اللبنانيين، فكثرة منهم صمتت على الأمر قرفاً من المشهد المزري، لكن صمتهم على ما جرى بدا رضوخاً، وتقهقراً أمام أهل السوء الطائفيين، وقناصي وانتهازيي الفرص الصغيرة، ولو وضع الأمر البلد على كف أزمة جديدة تضاف إلى أزمات عدة تتراكم منذ أكثر من 3 سنوات وتلهي الناس عن جوعها إلى الاستقرار، وبدؤه انتخاب رئيس للجمهورية، عله يطلق استعادة الانتظام العام إلى بنى الدولة والاقتصاد، وتجاهلاً دور مجلس الوزراء لم يكن الأمر يستحق أن يتخذ رئيس مجلس النواب لبوس الميقاتي الجديد، وأن يصير رئيس مجلس الوزراء عالماً فلكياً، في جلسة على فنجان قهوة، وأن يعطي الإثنان نموذجاً في الخفة في أخذ قرارات من دون تقييم للخطوة، مكاسب وأضراراً، وكذلك حال المعترضين والموافقين، الذين بدوا كمن ينتظر جنازة “يشبع فيها لطماً، على قول المثل الشعبي المصري. عام 1840، تحوّل شجار بين ولد درزي وآخر مسيحي في جبل لبنان على لعبة “الكُلّة” إلى توسع المشكل إلى عائلتيهما، ثم إلى قريتيهما، ثم إلى الطائفتين، وأدّت فتنة ذلك العام إلى حرب إبادة ذهب ضحيتها الآلاف. وتجددت هذه الحرب عام 1860 بسبب خلاف على قيام صياد من إحدى الطائفتين بصيد طيور على أرض شخص من طائفة أخرى. وتقول رواية ثالثة إن الفتنة تأتت من اصطدام بين دابتين لشخصين كل واحد من طائفة.
أيًّا تكن الرواية الأصوب، فإنّ الحرب الطائفية إمتدت سنوات، وراح ضحيتها الآلاف. واليوم، كاد خلاف على التوقيت بين صيفي وشتوي، و”وزجل” من فوق السطوح في حقوق الطوائف في تقريره إلى “رديات” التقسيم، والدعوة إلى إشراك كبار الدينيين في تقديم الساعة وتأخيرها، بدل إطلاق كلام عاقل يعيد الأمر إلى مجلس الوزراء، كما في السنوات السابقة، ويعطي “الأزمة حجمها الطبيعي.
أخطأ الرئيس نبيه بري، وأخطأ الرئيس نجيب ميقاتي، بما ليس من صلاحياتهما، وأخطأ مناوئوهم بـ “تجنيس” التوقيت الصيفي واعتباره “معلماً” مسيحياً، وحتّموا جعل التوقيت الشتوي إسلاميًّا، وافتعلت غضبة وردتها، لم يُشهد مثلها ضد الفساد وطغمته.
قرار بري – ميقاتي إفتقد الدراية والحكمة، والمؤسساتية، وظهر كمشهد من جلسة سمر وتوافق أصدقاء، بينما وجد فيها بعض المعترضين متنفساً لحسابات سياسيين لا مانع لديهم أن يشعلوا لبنان ليوقدوا سيجارة، ما حدا بالبعض إلى استنتاج مفاده أن الأزمة افتعلت لتغطية تمديد الفراغ في بعبدا، وتمرير صفقات، في الإنشاءات العامة، بين المرفأ والمطار، وغير ذلك، وهذا نهج يتقنه سياسيو اليوم، وقبله، وربما الغد. من ذلك ما يروى عن العام 1972، في عهد الرئيس سليمان فرنجية يوم كانت تظاهرات الجوع تغطي البلاد، وتكاد تسقط حكومة الرئيس صائب سلام. وعلى نمط التوقيت الصيفي والشتوي، انبعث من اللامكان أزمة عطلة نهاية الأسبوع، هل تكون يومي الجمعة والسبت، أم تستمر يومي السبت والأحد؟
بين “تنصير” العطلة و”أسلمتها” تسللت الحروب واستقرت 15 سنة، تلتها 15 سنة في العناية الفائقة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |