البطاطا المصريّة تضرب الموسم اللبناني: كساد وخسائر.. فمن يعوّض على المزارعين؟
على الرغم من وجود اتفاقيّة مع دولة مصر تنصّ على إدخال البطاطا المصريّة إلى لبنان من 1 شباط إلى 31 آذار، على ألّا تتعدّى الكميّات الخمسين ألف طن، خرجت باخرتان جديدتان من مصر إلى لبنان تحملان 6100 طنّ من البطاطا و1000 طنّ من البصل، بعد انتهاء المهلة المنصوص عليها في الاتفاقيّة بين لبنان ومصر.
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
على ما يبدو، باءت كلّ خطوات وزارة الزراعة لحماية الإنتاج المحلّي للمزارعين اللبنانيين، وضمان الاكتفاء الاقتصاديّ للأسواق المحليّة، بالفشل. حيث تظهر الحكومة يوماً بعد يوم عجزها وفشلها في إدارة الأزمة الاقتصاديّة بأقلّ خسائر ممكنة، مظهرةً إصرارها على تحميل الطبقات الأكثر ضعفاً نتائج الانهيار، وضاربةً بشكل مباشر أمنهم الغذائيّ. فلا يكاد يمرّ شهر إلّا ويحتجّ فيه قسم من المزارعين أو التجار على قرارات الحكومة في ما خصّ تسعير المنتجات، أو طريقة تصريف الإنتاج، أو كميّة السلع المستوردة والتي تطيح بالسّلع المحليّة. وآخر “فصل” في هذا الحوار، جاء بصرخة رفعها عددٌ من المزارعين في عكار بدعوة من رئيس الجمعية التعاونيّة لمزارعي البطاطا في سهل عكّار، عمر الحايك، وأعلنوا نيّتهم التّحرُّك في حال قرّرت الدولة إدخالَ المزيد من البطاطا المصريّة إلى الأسواق المحليّة.
فبحسب المزارعين “لا يكاد ينطلق موسم البطاطا اللبنانيّة في كلّ عام، لتنافسه البطاطا المصريّة بعد دخولها إلى الأسواق في الوقت نفسه. وعلى الرغم من وجود اتفاقيّة مع دولة مصر تنصّ على إدخال البطاطا المصريّة إلى لبنان من 1 شباط إلى 31 آذار، على ألا تتعدّى الكميّات الخمسين ألف طن، خرجت باخرتان جديدتان من مصر إلى لبنان تحملان 6100 طنّ من البطاطا و1000 طنّ من البصل، بعد انتهاء المهلة المنصوص عليها في الاتفاقيّة بين لبنان ومصر.
الوزير يعد ويتراجع
هذا وكان قد وعد وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عبّاس الحاج حسن المزارعين بعدم إدخال السفينتين إلى لبنان. إلّا أنّ وزارة الزراعة عادت وأصدرت بياناً تراجعت فيه عن وعد الوزير للمزارعين، مبررة إدخال الكميّة المذكورة بعد انتهاء مهلة الاتفاقيّة، بـ “تأخّر الباخرتين المصريتين نوران ومريام المحملتين بالبطاطا والبصل من تاريخ 27/3/2023، بالإبحار نتيجة سوء الأحوال الجوية، حيث أغلقت الموانئ يومي 29 و30 آذار 2023. ما أدّى إلى معاودة الموانئ العمل صباح يوم 31 آذار، وهو التاريخ نفسه الذي توجّهت فيه الباخرتان المذكورتان إلى مرفأ بيروت لتصلا إليه في الأول من نيسان 2023 أي بعد يوم واحد من انتهاء المهلة”.
الباخرتان المصريّتان ستدخلان لبنان
وحيث أن لا صلاحية لوزارة الزراعة للبت بمسألة إفراغ حمولة البطاطا من عدمها، وعملاً بالقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، قامت الوزارة بمراسلة مقام مجلس الوزراء بكتابها رقم 875/3 تاريخ 3/4/2023 لاتخاذ القرار المناسب بهذا الشأن. وبتاريخ 4/4/2023، صدر عن رئيس مجلس الوزراء موافقة استثنائية كون الموضوع يتسم بطابع العجلة والضرورة، على أن يعرض لاحقاً على مجلس الوزراء.
ما يعني أن السفينتين ستفرّغان حمولتهما في الأسواق اللبنانيّة، فما مصير موسم البطاطا اللبنانيّة؟
في هذا الإطار يقول رئيس جمعيّة المزارعين في لبنان، أنطوان الحويّك، في حديثه لـ “هنا لبنان”، أنّ “سفينة البطاطا المصريّة، ستضرب الانتاج اللبناني من البطاطا، وقد تؤدّي إلى ضياع الموسم بأكمله. حيث افتتحت البطاطا اللبنانيّة الموسم على سعر 28 ألف ليرة للكيلو، يعني 28 سنتاً إذا ما احتسبنا دولار السوق الموازية بـ100 ألف ليرة. وهذا السعر منخفض جداً بالنسبة لكلفة الإنتاج. هذا ويجب أن يكون سعر السلعة مرتفعاً في أوّل الموسم على أن ينخفض تباعا مع بدء انتهائه، إلّا أنّه في هذه الحالة، فقد ضربت البطاطا المصريّة سعر البطاطا اللبنانيّة”.
10 آلاف طن من البطاطا المصريّة في الأسواق اللبنانيّة
ويضيف الحويّك، “لا يزال هناك ستوكات بطاطا مصريّة من السفن القديمة، في الأسواق اللبنانيّة ما يعني أنّه وبعد تفريغ الباخرتين الجديدتين، ستصل كمية البطاطا المصريّة وحدها في الأسواق اللبنانيّة إلى 10 آلاف طن! ما يعني أنّ شهر نيسان طار، والأشهر التي تليه مهدّدة، فالخسائر ستتوالى كالدومينو. حيث يصل حجم إنتاج المزارعين اللبنانيين من البطاطا إلى 200 ألف طن في السنة، تتوزع على قرابة الـ 4 مواسم، فتفتتح الموسم محافظة عكّار وتختتمه محافظة البقاع. فيما يبلغ حجم الأراضي المزروعة بطاطا 100 ألف دنم”.
ويحذّر من أنّ “القطاع الزراعيّ على قاب قوسين من الانهيار، واستمراريته باتت موضع تساؤل”.
البطاطا المصريّة مقابل التفاح اللبناني
وعن قرار الدولة بالسماح للباخرتين المصريّتين بالدخول، علّق الحويّك بأنّ “وزير الزراعة برّر هذا القرار، بمحاولة الدولة الحفاظ على العلاقات التجاريّة بين البلدين لضمان تصريف إنتاج موسم التفاح اللبناني إلى مصر”، منتقداً “ميول كفّة الميزان التجاري لمصلحة مصر على حساب لبنان. حيث يصدّر الأخير سنويًّا سلعاً بقيمة 70 مليون دولار، وفي المقابل يستورد سلعاً بقيمة مليار دولار”، سائلاً “لماذا تخشى الدولة على موسم التفاح فيما بإمكاننا توقيف استيراد البطاطا وغيرها من السلع والموادّ الاوليّة من مصر إذا أوقفت استيراد التفاح من لبنان؟”
ويعلّل الحويّك مشكة الاتفاقيات التجارية مع الدول العربيّة والتي تصبّ بمعظمها لصالح الدولة الثانية، بأنّه “وفي العام 2005 ونتيجة اتفاقيّة التيسير مع الدول العربيّة، فتح لبنان حدوده مع أسواق ودول نظامها اشتراكي أو شيوعي، حيث تكون كلّ السلع مدعومة من قبل الدولة وتنتج نفس السلّة الغذائيّة التي ينتجها لبنان وبكميّات أكبر بكثير. وقد حاربنا كنقابة هذه الاتفاقيّة، حتى تمّ توقيف العمل بها في العام 2007، باعتماد روزنامة زراعية مع الدول العربية. وعادت الدولة لوضع ضرائب جمركيّة على هذه السلع”.
ويتابع “إلّا أنّ مطلب لبنان كان إعادة البحث بشروط هذ الاتفاقيّة، مع توحيد القواعد الجمركيّة، والأسعار، على ألّا يتمّ فتح جميع الأسواق على بعضها، حيث يكون لكلّ سوق نظامها الخاص، الأمر الذي وافق عليه رئيس الحكومة آنذاك عمر كرامي، آخذاً فترة سماح من الاتفاقيّة، إلّا أنّ وزير الاقتصاد الأسبق عدنان القصار لم يرفع طلب توقيف العمل باتفاقية التيسير ريثما تتغيّر الشروط، لتعود وتسير الحكومة بالاتفاقيّة بعد انتهاء المهلة. إلى ذلك، يستهلك لبنان 150 ألف طنّ من البطاطا في الأسواق المحليّة، و50 ألفًا لمصانع البطاطا”.
بطاطا مرويّة بمياه الصرف الصحي؟
من جهّته أوضح حسين رفاعي، أحد أكبر مزارعي البطاطا في لبنان في حديثه لـ “هنا لبنان” أنّ “كلفة طن البطاطا على المزارع تصل إلى 3000$ بين زراعة، وأجرة عمّال، وريّ، وضمان الأرض، وقطف المحصول، إلخ. أمّا رأسمال زراعة كيلو البطاطا فيتوقّف على المزارع بـ30 ألف ليرة، ما يعني أنّ كل كيلو بطاطا يباع تحت هذا السعر يعود بالخسارة على المزارع. وبعد السماح بدخول السفينتين المحمّلتين بالبطاطا المصريّة إلى لبنان، هبط سعر كيلو البطاطا المحليّة من 30 ألف ليرة إلى 22 و 20 ألف ليرة. وهي كارثة حقيقيّة على المزارعين”.
ولفت رفاعي إلى أنّ “البطاطا المصرية تنقسم إلى صنفين: الصنف الأوّل يتمّ ريّه من مياه النيل، ويتطابق مع المواصفات العلمية، والصنف الثاني يُروى من مياه الصرف الصحي وهذا الصنف يهترئ بعد 3 أيام، ولا يستقبله أيّ بلد آخر سوى لبنان، ويأتي في آخر الموسم في مصر، وهو الصنف الذي صدّر في آخر شحنة إلى لبنان. والتجار يناسبهم إدخال هذا النوع من البطاطا لضرب السعر المحلي، حيث يباع الكيلو الواحد منها بـ10 آلاف أو 15 ألف ليرة. فيما كيلو البطاطا المصريّة الذي يروى من مياه النيل يباع بـ30 ألف ليرة أي ضعف الثمن”، مؤكّداً على أنّ “الإنتاج الوطني أرخص من المصري ويعطي للمستهلك أنواعاً ممتازة ونظيفة وبسعر أرخص”.
10 ملايين ليرة قيمة الخسارة بكلّ طن: التهريب من سوريا يضرب الموسم
وعن حجم الخسائر التي سيتكبّدها المزارعين قال رفاعي “كلّ طن بطاطا لبنانيّة سيخسر 10 ملايين. وفي عكار وحدها زُرعت 4500 طن من البذور ، أي “10 آلاف طن راحوا خسارة”. هذا وتنافس البطاطا السوريّة المهرّبة عبر الحدود غير الشرعيّة البطاطا اللبنانيّة أيضاً. وذلك بسبب عجز الدولة عن ضبط الحدود”.
ويضيف رفاعي “إنتاج عكار لوحده من البطاطا يصل إلى ما بين 80 إلى 90 ألف طن فيما إنتاج البقاع يصل إلى 15 ألف طن من البزر ويتراوح المحصول الذي ينتج عنه بين 150 ألف لـ200 ألف طن“.
وبناء على ما تقدّم، نسأل: من يعوّض على المزارعين خسائرهم؟ وإلى متى سيستمرّ المواطن اللبناني بدفع ثمن أخطاء دولته وسوء إدارتها؟