بعد مخاضٍ عسيرٍ… انفراجٌ مشروطٌ لمرضى غسيل الكلى
تمّ التّوافق على اعتماد تعرفةٍ متحرّكةٍ لجلسة غسيل الكلى، لمواكبة تغييرات سعر الصّرف في السّوق السّوداء. وفي الوقت الحالي، جرى تحديد كلفة الجلسة بـ53 دولارًا أميركيًّا للمستشفى، بالإضافة إلى 10 دولارات بدل أتعاب الطّبيب عن كلّ جلسة
كتب إيلي صرّوف لـ”هنا لبنان”:
صحيحٌ أنّ المادّة 25 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان المعتمَد منذ عام 1948، تنصّ على أنّ “لكلِّ شخصٍ حقٌّ في مستوى معيشةٍ يكفي لضمان الصحّة والرّفاهية له ولأسرته، وخاصّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبّيّة”، لكنّ الصّحيح أيضًا أنّ “المادّة” هي الّتي تتحكّم بمصير شريحةٍ واسعةٍ من اللّبنانيّين؛ إذ باتت حياتهم رهن معادلةٍ واحدةٍ مختصرةٍ: المال مقابل البقاء.
خلال الأشهر الأخيرة، فشِل أنين مرضى غسيل الكلى ونداءات استغاثتهم، في تحريك ضمائر المسؤولين الصّماء، لإيجاد حلٍّ جذريٍّ يُنهي معاناتهم الإضافيّة. أشهرٌ كانت أشبه بدهرٍ بالنّسبة للمرضى، وغَلبت جلساتهم بما حملته من أوجاعٍ وآثارٍ سلبيّة. ففي ظلّ النّقص في الأدوية اللّازمة داخل المستشفى وخارجه، وفي المستلزمات الّتي تُستخدَم في عمليّة الغسيل، واشتراط العديد من المستشفيات على المرضى الدّفع مسبقًا وبالفريش دولار، وعدم تقاضي الأطبّاء أتعابهم من الجهات والصّناديق الضّامنة… كان المرضى يواجهون الوحش المسمّى “المجهول”، الّذي يفترس أيّامهم وصحّتهم بلا رحمة!
للمفارقة أنّ هؤلاء الّذين أخذوا من أيّوب دروسًا في الصّبر، جاءهم الفرجُ يوم “أربعاء أيّوب”، إذ عقد وزير الصحّة العامّة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض اجتماعًا مع نقيب أصحاب المستشفيات الخاصّة في لبنان سليمان هارون، تمّ خلاله الاتّفاق على تطوير آليّة تغطية جلسات غسيل الكلى. هذه البشرى السّارة، يقابلها سؤالٌ جوهريٌّ: هل هذا الاتّفاق كفيلٌ بإنهاء معاناة مرضى غسيل الكلى؟
في هذا السّياق، يوضح هارون في حديث لـ “هنا لبنان”، أنّ “الاتّفاق حتّى الآن يُطبّق على مرضى وزارة الصحّة، ونحن نتفاوض حاليًّا مع الجهات الضّامنة الأخرى، أيّ الصّندوق الوطني للضّمان الاجتماعي وتعاونيّة موظّفي الدّولة والطّبابة العسكريّة وغيرها. وإذا تمّ التّوصّل إلى اتّفاق فيما بيننا شبيه بالّذي أُبرم مع الوزارة، فعندها تكون قد حُلّت مشكلة جميع المرضى”، مشيرًا إلى أنّ “هذه الجهات أعطت موافقةً مبدئيّةً، لكنّنا نبحث في التّفاصيل”.
ويذكر أنّه “تمّ التّوافق على اعتماد تعرفةٍ متحرّكةٍ لجلسة غسيل الكلى، لمواكبة تغييرات سعر الصّرف في السّوق السّوداء. وفي الوقت الحالي، جرى تحديد كلفة الجلسة بـ53 دولارًا أميركيًّا للمستشفى، بالإضافة إلى 10 دولارات بدل أتعاب الطّبيب عن كلّ جلسة”.
أمّا عن التّدابير الّتي ستُعتمد لضمان عدم تكبيد المرضى أيّة فروقاتٍ إضافيّةٍ، سواء من المستشفيات أو الأطبّاء المعالجين، يلفت هارون إلى أنّه “في حال حصول إجراءٍ من هذا النّوع، على المريض تقديم شكوى إلى وزارة الصحّة أو الجهات الضّامنة”. في هذا الإطار، كانت الوزارة قد طلبت من المرضى الّذين يواجهون أيّ مخالفةٍ ويُطلب منهم دفع فروقات إضافيّة، أن يتواصلوا معها على الخطّ السّاخن 1214، للتّحقيق واتّخاذ الإجراءات اللّازمة.
الأزمة الاقتصاديّة الماليّة الّتي تعصف بالبلد منذ سنواتٍ، أرخت بظلالها الثّقيلة على المستشفيات الخاصّة، الّتي لجأ عددٌ منها، تحت وطأة تراجع المداخيل وعدم تقاضي مستحقّاتها كاملةً، إلى خيار إقفال مراكز غسيل الكلى لديها بشكلٍ نهائيّ. هذا القرار المرّ خلق أزمةً جديدةً، إذ بات أكثر من 100 مريضٍ “مشرّدين” استشفائيًّا وبلا علاجاتٍ، إلى حين إيجاد مراكز يمكنها استقبالهم.
لكنّ نقيب المستشفيات يطمئن أنّه “تمّ إيجاد أماكن للمرضى الّذين كانوا يتلقّون العلاج في المراكز الّتي أقفلت. أمّا بالنّسبة إلى المستشفيات الّتي كانت مهدّدةً بإقفال مراكز غسيل الكلى لديها، فنحن نعمل معها على حلحلة الموضوع”، معربًا عن اعتقاده أنّ “بعد تصحيح التّعرفة وطريقة الدّفع، قد تتمكّن من تحسين أوضاعها وتأمين استمراريّة العمل”.
بعد مقارعة مرضى غسيل الكلى لشبح الموت، وبعد مخاضٍ عسيرٍ عايشوه لأشهرٍ، وُلدت الانفراجة مشروطًة بالتزام الجهات المعنيّة بالاتّفاق المبرَم. فهل سيتقاضى الأطبّاء والمراكز العلاجيّة المستحقّات الماليّة بطريقةٍ منتظَمةٍ، أم أنّ عجز الدّولة وفشل المعنيّين سيكتب نهاية حياة مرضى، لا ذنب لهم سوى أنّهم فقراء؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |