في غياب كامل للدولة: الصناعيون يعملون “باللحم الحيّ”!
وضعت وزارة الصناعة اللبنانية رؤية عامة للقطاع الصناعي في لبنان، أولاً لرعاية هذا القطاع ودعم استمراريته، وثانياً للمساهمة في تنميته وتنشيطه وحمايته وتطويره.
كتبت ريتا صالح لـ “هنا لبنان”:
تواجه الصناعة المحلية اليوم مشاكل وصعوبات كثيرة ولا سيّما في ظلّ الأزمة الاقتصادية الراهنة، وتدهور سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار، وغياب الحكومة عن تسيير عمل المصانع، بالإضافة إلى عرقلة حركة الإنتاج والتصدير.
ونتيجة لهذا الواقع، وضعت وزارة الصناعة اللبنانية رؤية عامة للقطاع الصناعي في لبنان، أولاً لرعاية هذا القطاع ودعم استمراريته، وثانياً للمساهمة في تنميته وتنشيطه وحمايته وتطويره.
ووفق رؤية الوزارة فإنّ المخاطر التي يمكن أن تواجه القطاع الصناعي هي: “السياسة الاقتصادية الحكومية، الاوضاع السياسية والأمنية في لبنان ومحيطه الإقليمي، الأوضاع الاقتصادية الداخلية والخارجية التي تؤثر على الاقتصاد الوطني، عدم التزام الأفرقاء والشركاء بالمسؤوليات المترتبة عليهم، والتناقص بالموارد المالية والبشرية والتقنية المخصصة للصناعة، بالإضافة إلى المقاومة المجتمعية أي الثقافة، التعليم والتربية، المصالح المتضاربة وغيرها. إلا أنه في ظل التخبّط السياسي- الاقتصادي الحاصل، تقلّصت إمكانيات تطوير القطاع الصناعي خصوصاً في ظلّ غياب الدولة شبه التامّ عن واجباتها وأعمالها تجاه كافة القطاعات.
ورغم أنّ الوضع الحالي لا يبشّر بأيّ من التقدم والتطور في هذا المجال، ففي لبنان العديد من المصانع الجديرة بعملها وجودتها وصناعتها، وتسعى جاهدةً لتقديم أفضل النوعية والجودة للعملاء. وبالتالي، لبنان يتمتع بالعديد من المصانع المحلية منها التي تصنّع المعلبات، أدوات التنظيف، المأكولات على أنواعها، الألبسة، الأفران، الأدوات الإلكترونية والمنزلية والأدوية وغيرها… ولو كانت بحاجة إلى تطوير وابتكارات جديدة من عدة جوانب فهي “موجودة”..
فهل الصناعة المحلية على ما يرام؟.. في بلد فقد الأمل من إصلاحه، هل يستطيع الصناعيون الاستمرار في الإنتاج والتصدير والاستيراد؟؟
في هذا الإطار، يؤكد صاحب أحد المصانع في لبنان فادي بو سعد في حديث خاص لـ “هنا لبنان” أن الصناعة اللبنانية المرتبطة بالتصدير إلى الخارج لم تتأثر بالانهيار الاقتصادي-اللبناني، إلاّ أن التأثيرات السلبية على هذا القطاع تأتي أولاً، من خلال الضغوطات السياسية الكبيرة التي تمارس على الحكومة اللبنانية. وأضاف أن عدم دعم الصناعة في لبنان من قبل الدولة والشعب اللبناني يضع الصناعيين في موقع “ضيّق” في مواجهة المنافسة الخارجية.
وكشف بو سعد أن أصحاب المصانع اللبنانية يدفعون اليوم فواتير ضخمة لتغطية كلفة المحروقات لتشغيل المولدات الكهربائية في ظل غياب كهرباء الدولة، ممّا يمنعهم من إمكانية المنافسة مع المصانع الخارجية المدعومة من قبل دولتهم. وأضاف أن مشكلة النقل العام أيضاً تعتبر من أبرز المشاكل التي يواجهونها كصناعيين، إذ أن البلد ليس لديه وسائل نقل عام لتسيير حركة العمّال، ممّا يشكل أزمة حقيقية، من حيث بدل النقل الذي لا يكفيهم للتنقل خصوصا مع تلاعب وعدم ثبات سعر المحروقات في لبنان. كما وأوضح بو سعد أن موضوع المصارف يشكل اليوم مشكلة في قطاع الصناعة، حيث كان أصحاب المصانع يأخذون قروضاً مدعومة من المصارف لتسيير أعمالهم وتنفيذ مشاريعهم، ما بات صعباً اليوم بل حتى مستحيلاً وأصبحوا يتكفّلون بمجهودهم الشخصي بكل ما يتوجب عليهم من أمور لتطبيق المشاريع الصناعية لديهم. وأكد بو سعد أن الصناعيين اليوم وبعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان، بدأوا من نقطة الصفر، من حيث التأسيس، ورأس المال، وذلك كي يستطيعوا أن يكملوا أشغالهم وتمويل أعمالهم الخارجية. وأكد أنهم كصناعيين يعتمدون على “التمويل الشخصي”.
وتابع أنّ الصناعيين يواجهون صعوبة في تحويل الأموال إلى خارج لبنان في حال أرادوا إستيراد المواد الأولية. وفي حال أراد الصناعيون أن يحصلوا على أموالهم من الخارج بعد تصدير بضائعهم، فهم يواجهون صعوبة في الحصول على الأرباح المالية أيضاً.
وبالتالي، شدد بو سعد على أن الصناعيين في لبنان يمارس عليهم ضغوطات كبيرة، وخصوصاً أن الدولة اللبنانية غائبة غياب تام عن مساعدتهم من حيث الدعم المباشر، أو غير المباشر، كدعم وسائل الطاقة للتخفيف من كلفة المدفوعات المتوجبة على المصانع، وذلك ليبقى لديهم إمكانية المنافسة مع دول الجوار، مشيراً إلى أنّ السوريين والأتراك والأردنيين وغيرهم ينافسون الصناعة اللبنانية، ولاسيما أنهم يتمتعون بوسائل الطاقة وبسعر أرخص من لبنان، لافتاً إلى أنّ لبنان أصبح من أغلى البلدان في سعر الطاقة والمحروقات.
وفي المقابل، أكد بو سعد أن دول العالم تعتمد دائماً على قطاعين أساسيين، وهما: الصناعة والزراعة، مشدداً على أنّهما العمود الفقري لأي دولة، ومن خلالهما تدخل الأموال الخارجية إلى البلد، متأسفاً أن الدولة اللبنانية لا تدعم هذين القطاعين وخصوصاً في ظلّ الأزمة الراهنة.
في الواقع المحلي، غالبية الأمور معقدة وبحاجة ماسة إلى حل سريع. القطاعات كلها بحالة خطر، وتعمل “باللحم الحيّ”. وبعيداً عن الكلام، و”اللف والدوران”، فلبنان بحاجة ملحّة إلى انتخاب رئيس للجمهورية، ومن ثمّ تشكيل حكومة جديدة، فعّالة وناشطة، كي تعمل على إصلاح ما “خرّبته” الطبقة السياسية الفاسدة، وإعادة إحياء ما دمّرته هذه المنظومة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الصحة الإنجابية في خطرٍ كبير… لبنان كالصين: ولد واحد لكل عائلة! | القطاع التعليمي في لبنان عالق بين “الردّين” و”المفاوضات” | أحداث الجنوب تربك اللبنانيين.. إلغاء رحلات ورفع للأسعار! |